وما له ظهور إلا من الصاحبة التي هي الأم ، فيكون الاصطفاء في حق الصاحبة ، أو يكون يعلق الاصطفاء للبنوة؟ فذلك التبني لا البنوة ، فنفى تعلق الإرادة باتخاذ الولد ، والإرادة لا تتعلق إلا بمعدوم ، فإن لو حرف امتناع ، ولكنه امتناع شيء لامتناع غيره ، فإذا جاء حرف لا بعد لو كان لو حرف امتناع لوجود ، ولم يأت في هذه الآية لا ، فنفى أن تتعلق الإرادة باتخاذ الولد ، ولم يقل : أن يلد ولدا ؛ فإنه يقول (لم يلد) والولد المتخذ يكون موجود العين من غير أن يكون ولدا ، فيتبنى بحكم الاصطفاء ، والتقريب في المنزلة أن ينزله من نفسه منزلة الولد من الوالد الذي يكون عليه ولادة ، والحقيقة تمنع الولادة والتبني ، لأن النسبة مرتفعة عن الذات ، والنسبة الإلهية من الله لجميع الخلق نسبة واحدة لا تفاضل فيها ، إذ التفاضل يستدعي الكثرة ، فلهذا أتى بلفظة لو ولم يجعل بعدها لفظة لا ، فكان حرف امتناع ، أي لم يقع ذلك ولا يقع ، لامتناع الذات أن توصف بما لا تستحقه ، ولهذا قال (مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَلا وَلَداً) بعد قوله (وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا) فوصفه بالعلو عن قيام هذا الوصف لعظمة الرب المضاف إلى المربوب بالذكر ، فكيف بالرب من غير إضافة لفظية؟ فكيف بالاسم الله؟ فكيف بالذات من غير اسم؟ فجاء بحرف لو فدل على الامتناع ، فلم يكن من الوجهين : لا التبني ولا اصطفاء الصاحبة ، وأعظم من هذا التنزيه لا يكون ، وهذه الآية دليل على أن قدرة الحق مطلقة على إيجاد المحال لو شاء وجوده ، كما ذكره عن نفسه ما هو محال في العقل بما يعطيه دليله ، فقال تعالى : (لَوْ أَرادَ اللهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لَاصْطَفى مِمَّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ) فألحقه بالنسبة إلى المشيئة الإلهية بدرجة الإمكان ، والعقل قد دل على أن ذلك محال ، لا من كونه لم يرده ، فكانت هذه الآية أولها جرح ، جرح به العقل في صحة دليله ليبطله ، ثم داوى ذلك الجرح في آخر الآية بقوله (سُبْحانَهُ) أي هو المنزه (هُوَ اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ) ـ الوجه الأول ـ أن يكون لأحديته ثان ـ الوجه الثاني ـ ذهب بعض الناس إلى أن الله تعالى لو أراد إيجاد ما هو محال الوجود لنفسه لأوجده ، وإنما لم يوجده لكونه ما أراد وجود المحال الوجود ، فصاحب هذا القول يقول : إن الحق أعطى المحال محاله والواجب وجوبه والممكن إمكانه ، فهذا القائل لا يدري ما يقول ، فإنه سبحانه واجب الوجود لنفسه ، فهو كما قال القائل : أراد أن يعربه فأعجمه ، فإنه أراد أن ينسب إليه تعالى نفوذ الاقتدار ، ولم يعلم متعلق الاقتدار ما هو؟ فعلّقه بما لا يقتضيه ، وصير الحق