اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) (٦)
(يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ) وهو الخلق في الرحم (فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ) ظلمة الرحم وظلمة المشيمة وظلمة البطن. ـ إشارة ـ إذا ولد الإنسان اندرجت ظلمته فيه ، فكان ظاهره نورا وباطنه ظلمة ، فلا يتمكن له المشي في ظلمة باطنه إلا بسراج العلم ، إن لم يكن له هذا السراج فإنه لا يهتدي (ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) هذا هو التوحيد السابع والعشرون في القرآن ، وهو توحيد الإشارة ، فما في الكون مشار إليه إلا هو (فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) لأن الإشارة لا تقع من المشير إلا لأمر حادث عنده ، وإن لم يكن في عينه في نفس الأمر حادثا ، ولكنه يعلم أنه حدث عنده ، وما يحدث أمر عند من يحدث عنده ، إلا ولا بد أن يجهل أمره عند ما يحدث عنده ، لشغله بحدوثه عنده وأثره فيه ، فيشير إليه في ذلك الوقت وفي تلك الحالة رفيقه ، وهو على نوعين : ـ إذ ما له رفيق سوى اثنين ـ إما عقله السليم وإما شرعه المعصوم ، وما ثمّ إلا هذا ، لأنه ما ثمّ من يقول له في هذه الإشارة (ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) إلا أحد هذين القرينين ، إما العقل السليم أو الشرع المعصوم ، وما عدا هذين فإنه يقول له خلاف ما قال هذان القرينان ، فيقول له : هذا الدهر وتصرفه ، ويقول الآخر : هذه الطبيعة وأحكامها ، ويقول الآخر : هذا حكم الدور ، فيصرفه كل قائل إلى ما يراه ، فهو قول هذين القرينين (فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء بالقرآن.
(إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) (٧)
(وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ) لما كان العلم تابعا للمعلوم ، والرضا إرادة ، فلا تناقض بين الأمر والإرادة ، وإنما النقض بين الأمر وما أعطاه العلم التابع للمعلوم ، فهو فعال لما يريد ، وما يريد إلا ما هو عليه المعلوم ، والحكم للعلم لا للأمر ، فصح قوله تعالى : (وَلا