يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ) وكذا كل عمل لا يرضي الله من سفساف الأخلاق ، وما لنا من الأمر الإلهي إلا صيغة الأمر ، وهي من جملة المخلوقات في لفظ الداعي إلى الله ، فهي مرادة معلومة كائنة في فم الداعي إلى الله ، فتنبه واعتبر (وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ) وكذا كل عمل يرضي الله من مكارم الأخلاق ، فتتبع الشرع تعلم كل صفة علق الذم بها فاجتنبها.
(وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ) (٨)
إن الإنسان لو نشأ على الخير والنعم طول عمره ، لم يعرف قدر ما هو فيه حتى يبتلى ، فإذا مسّه الضر عرف قدر ما هو فيه من النعم والخيرات ، عند ذلك عرف قدر المنعم.
(أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ) (٩)
اعلم أن أول الأمر خوف والرجاء يتلوه ، فإن تقدمه الرجاء فقد فاته الخوف ، فإن الماضي لا يسترجع ، فالتقدم للخوف وقد فاته وذهب عنه ، ومن له بردّه؟ والرجاء في المحل قد منعه سلطانه ، فالمؤمن من تساوى خوفه ورجاؤه ، بحيث أنه لا يفضل واحد صاحبه عنده ، لأنه استعمل كل شيء في محله ، وأول نشء الإنسان ضعف ، ولضعفه يتقدمه الخوف على نفسه ، ثم تكون له القوة بعد هذا الضعف ، فيأتيه الرجاء بقوته ، فإنه يتقوى نظره في العلوم والتأويلات ، فيعظم رجاؤه في جانب الحق ، ولكن العاقل لا يتعدى به موطنه ، فإذا خطر له من قوة الرجاء ما يوجب استعمال الخوف عند العاقل العارف ، عزل الرجاء عن الانفراد بالحكم وأشرك معه الخوف ، فذلك المؤمن ، فلا يزال كذلك إلى أن تكمل ذاته الكمال الذي ينتهي إليه أولياء الله في الورث النبوي ، في هذا الزمان المحمدي الذي أغلق فيه باب نبوة التشريع والرسالة ، وبقي باب حكم الاختصاص بالعلوم الإلهية والأسرار