مفتوحا ، يدخل عليه أهل الله ، وأول داخل عليه أهل الذكر ، جعلنا الله ممن استوى خوفه ورجاؤه في الحياة الدنيا إلى حين موته عند الاحتضار ، فيغلب رجاؤه على خوفه (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) وهو قوله تعالى : (كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها) اعلم أن العلم بالله أسنى الكرامات ، لأن موطنه الدنيا وهو المطلوب ، وبه تقع المنفعة ولو لم يعمل به ، فالعلماءهم الآمنون من التلبيس ، فإن العلم أسنى تحفة وأعظم كرامة ، ولو قامت عليك به الحجة ، فإنه يجعلك تعترف ولا تحاجج ، فإنك تعلم ما لك وما عليك وما له ، وما أمر الله تعالى نبيه صلىاللهعليهوسلم أن يطلب منه الزيادة من شيء إلا من العلم ، لأن الخير كله فيه ، وهو الكرامة العظمى ، والبطالة مع العلم أحسن من الجهل مع العمل ، ولا أعني بالعلم إلا العلم بالله والدار الآخرة ، وما تستحقه الدار الدنيا وما خلقت له ولأي شيء وضعت ، حتى يكون الإنسان من أمره على بصيرة حيث كان ، فلا يجهل من نفسه ولا من حركاته شيئا ، والعلم صفة إحاطية إلهية ، فهي أفضل ما في فضل الله وهو السعادة ، وإذا أراد الله شقاوة العبد أزال عنه العلم ، فإنه لم يكن العلم له ذاتيا بل اكتسبه ، وما كان مكتسبا فجائز زواله ، ويكسوه حلة الجهل ، فإن عين انتزاع العلم جهل ، ولا يبقى عليه من العلم إلا العلم بأنه قد انتزع عنه العلم ، فلو لم يبق الله تعالى عليه هذا العلم بانتزاع العلم لما تعذب ، فإن الجاهل الذي لا يعلم أنه جاهل فارح مسرور ، لكونه لا يدري ما فاته ، فلو علم أنه قد فاته خير كثير ما فرح بحاله ولتألم من حينه ، فما تألم إلا بعلمه ما فاته أو مما كان عليه فسلبه ، لذلك لم يسوّ تعالى بين الذين يعلمون والذين لا يعلمون ، فإنه ما وضع حكما إلا ليستعمل في محكوم عليه ولو لم يرد استعماله لكان عبثا ، ولو لم يوجد من يستعمل فيه ذلك الحكم ومن يعمل به لكان أيضا عبثا وقد أخبر سبحانه وتعالى عباده بشرف العلم حيث وصف به نفسه ، فبالعلم الشرف التام ، وليس في الصفات أعم تعلقا منه ، لتعلقه بالواجبات والجائزات والمستحيلات ، وغيره من الصفات ليس كذلك ، واعلم أن الشرف الذي للعلم شرفان : من حيث ذاته ، ومن حيث معلومه ، فالذي له من حيث ذاته ، كونه يوصلك إلى حقيقة الشيء على ما هي عليه ، ويزيل عنك أضداده إذا قام بك ، كالجهل بذلك المعلوم والظن والشك والغفلة وما ضاده ، والذي له من حيث معلومه فمعلومه يكسبه ذلك الشرف ، فكما أن بعض المعلومات أشرف من بعض ، كذلك بعض العلوم