(فَاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ (١٥) لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذلِكَ يُخَوِّفُ اللهُ بِهِ عِبادَهُ يا عِبادِ فَاتَّقُونِ (١٦) وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها وَأَنابُوا إِلَى اللهِ لَهُمُ الْبُشْرى فَبَشِّرْ عِبادِ) (١٧)
الإنسان ما دام حيا إذا كان كافرا يرجى له الإسلام ، وإذا كان مسلما يخاف عليه الكفر ، فإن الدنيا ما هي دار طمأنينة لمخلوق ما لم يبشّر ، ومع البشرى يرتفع الخوف لصدق المخبر ، ويبقى الحكم للحياء والخشوع ، والبشرى إظهار علامة حصولها في البشرة.
(الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ) (١٨)
(الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ) فهي بشرى من الحق لمن تحقق بهذا السمع ، بأنه من أهل الهداية والعقل عن الله تعالى ، وهي الكرامة الكبرى ، والقول ما بين حسن وأحسن (فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ) والاتباع إنما هو فيما حدّه لك في قوله ورسمه ، فتمشي حيث مشى بك ، وتقف حيث وقف بك ، وتنظر فيما قال لك انظر ، وتسلم فيما قال لك سلّم ، وتعقل فيما قال لك اعقل ، وتؤمن فيما قال لك آمن ، فإن الآيات الإلهية الواردة في الذكر الحكيم متنوعة ، وتنوع لتنوعها وصف المخاطب ، فمنها آيات لقوم يتفكرون ، وآيات لقوم يعقلون ، وآيات لقوم يسمعون ، وآيات للمؤمنين ، وآيات للعالمين ، وآيات للمتقين ، وآيات لأولي النهى ، وآيات لأولي الألباب ، وآيات لأولي الأبصار ، ففصّل كما فصّل ولا تتعد إلى غير ما ذكر بل نزّل كل آية وغيرها بموضعها ، وانظر فيمن خاطب بها فكن أنت المخاطب بها ، فإنك مجموع ما ذكر ، فإنك المنعوت بالبصر والنهى واللب والعقل والفكر والعلم والإيمان والسمع والقلب ، فاظهر بنظرك بالصفة التي نعتك بها في تلك الآية