(قُلِ اللهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ عالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبادِكَ فِي ما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (٤٦) وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ) (٤٧)
البدا هو أن يظهر ما لم يكن ظهر ، فقال تعالى : (وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ) فعمّ ، فبدا لكل طائفة تعتقد أمرا ما مما الأمر ليس عليه نفي ذلك المعتقد ، وما تعرض في الآية بما انتفى ذلك ، هل بالعجز أو بمعرفة النقيض؟ وكلا الأمرين كائن في الدار الآخرة ففي الهوية فإن بعض العباد يجزم في اعتقاده أن الله كذا وكذا ، فإذا انكشف الغطاء ، رأى صورة معتقده وهي حق فاعتقدها ، وانحلت العقدة فزال الاعتقاد وعاد علما بالمشاهدة ، وبعد احتداد البصر لا يرجع كليل النظر ، فيبدو لبعض العبيد باختلاف التجلي في الصور عند الرؤية خلاف معتقده ، لأنه لا يتكرر ، فيصدق عليه في الهوية (وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللهِ) في هويته (ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ) فيها قبل كشف الغطاء ، أما في الجزاء فقوله تعالى : (وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ) شائعة في الشقي والسعيد ، ففي السعيد ، فيمن مات على غير توبة وهو يقول بإنفاذ الوعيد ، فيغفر له فكان الحكم للمشيئة ، فسبقت بسعادتهم ، فتبين لهم عند ذلك أنهم اعتقدوا في ذلك خلاف ما هو ذلك الأمر عليه ، فإن الله تعالى عند ما يلقاه المؤمنون يستحيون منه لما عاملوه به من المخالفة لأوامره تعالى ، فبدا لهم من الله من الخير ما لم يكونوا يحتسبون من مكارم الأخلاق ، فإن الأدلة الشرعية أتت بأمور تقرر عندنا منها : أنه يعامل عباده بالإحسان ، وعلى قدر ظنهم به ، فإن الحق هو الخير المحض الذي لا شر فيه ، وما يبدو من الخير إلا الخير ، فحسّنوا ظنكم برب هذه صفته ، وحققوا رجاءكم بمعروف هذه معرفته ، وأما المجرمون فعند ما يلقونه يخافون منه ، فلقوه على كره فكره الله لقاءهم ، ومع هذه الكراهة فلا بد من اللقاء للجزاء ، كان الجزاء ما كان ، فإنهم لما استيقظوا من نوم غفلتهم ، ووصلوا إلى منزل وحطوا عن رحالهم ، طلبوا ما