قصدوه ، فقيل لهم : من أول قدم فارقتموه ، فما ازددتم منه إلا بعدا ، فيقولون : يا ليتنا نرد ، ولا سبيل إلى ذلك ، فلهذا وصفوا بالحجاب عن ربهم الذي قصدوه بالتوجه على غير الطريق الذي شرع لهم ، فقال تعالى :
(وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٤٨) فَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعانا ثُمَّ إِذا خَوَّلْناهُ نِعْمَةً مِنَّا قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٤٩) قَدْ قالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (٥٠) فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هؤُلاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ (٥١) أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (٥٢)
يختلف البسط لاختلاف المحال والأحوال ، فأما في محل الدنيا فلو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ، فأنزل بقدر ما يشاء ، وأطلق في الجنة البسط لكونها ليست بمحل تعن ولا تعد.
(قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (٥٣)
ثبت عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيما رواه عن ربه أنه عزوجل يقول [أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي خيرا] فاجعل ظنك بالله علما بأنه يعفو ويغفر ويتجاوز ، وليكن داعيك الإلهي إلى هذا الظن قوله تعالى : (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً) فهذه الآية إشارة إلى عموم الرحمة الإلهية ، وأن المآل إليها ، فإنه تعالى قالها للمسرفين على أنفسهم ، ولم يخص مسرفا من مسرف ، فقال تعالى لنبيه (قُلْ يا عِبادِيَ) فأضافهم إلى نفسه كما أضاف إلى نفسه نفوسهم في خلقها ، فهم عبيد العموم ،