ذنبا من ذنب ، كما لم يخص إسرافا من إسراف ، كما لم يخص في إرسال محمد صلىاللهعليهوسلم عالما من عالم ، فكما جاء بالمغفرة والرحمة في حق التائب وصاحب العمل الصالح ، جاء بهما في حق المسرفين الذين لم يتوبوا ، ونهاهم عن القنوط ، وما قرن الله تعالى مغفرته هنا حين أطلقها بتوبة ولا عمل صالح ، وأكد ذلك بقوله (جَمِيعاً) مع ارتفاع القنوط أو مع وجوده ، فما أبقى شيئا من الذنوب ، فلا يتسرمد العذاب ، وهذا عموم رحمة وعفو ومغفرة ، وهو خبر لا يدخله النسخ ، فيجمع بين قوله هذا وبين قوله (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) فيؤاخذ على الشرك ما شاء الله ، ثم يحكم عليه أصبع الرحمن فيؤل إلى الرحمن ، وأمور أخر من الزيغ مما دون الشرك يغفر منها ما يغفر بعد العقوبة ، وهم أهل الكبائر الذين يخرجون من النار بالشفاعة بعد ما رجعوا حمما ، مع كونهم ليسوا بمشركين ، والإيمان بذلك واجب ، ومنها ما يغفر ابتداء من غير عقوبة ، فلا بد من المآل إلى الرحمة ، ولو قال تعالى هنا : إن الرحمن لم يعذب أحدا من المسرفين. فلما جاء بالاسم الله قد تكون المغفرة قبل الأخذ وقد تكون بعد الأخذ ، ولذلك ختم الله بقوله (إِنَّهُ هُوَ) فجاء بالضمير الذي يعود عليه (الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) ـ الوجه الأول ـ من كونه سبقت رحمته غضبه ، فبالغ وما خص إسرافا من إسراف ولا دارا من دار ، فلا بد من شمول الرحمة والمغفرة على من أسرف على نفسه ، فالذي غفر هو الغفور الرحيم لذاته ، فإنه جاء بالألف واللام للشمول في عمارة الدارين ، فلا بد من شمول الرحمة ، وجاء بالرحيم آخرا أي مآلهم وإن أخذوا إلى الرحمة ، فجمع الحق لهؤلاء العبيد الذين أسرفوا على أنفسهم ، الذين نهاهم سبحانه أن يقنطوا من رحمة الله ، بين شرف الإضافة إليه وبشرهم أنه يغفر الذنوب جميعا ، ولم يعين وقتا ، فقد تكون المغفرة سابقة لبعض العبيد ، لاحقة لبعض العبيد ، هذا إذا قصد العبد فعل الذنب معتقدا أنه ذنب ، فكيف حال من لم يتعمد إتيان الذنب؟ ومن حكم الرحمة اجترأ من اجترأ على مخالفة أوامر الله من المؤمنين ، فإنهم لا يقنطون من رحمة الله ـ الوجه الثاني ـ (إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) لما كان عذر العالم مقبولا في نفس الأمر ، لكونهم مجبورين في اختيارهم ، لذلك جعل الله مآل الجميع إلى الرحمة ، فهو الغفور لما ستر من ذلك عن قلوب من لم يعلمه بصورة الأمر ، رحمة به لأنه الرحيم في غفرانه ، لعلمه بأن مزاجه لا يقبل ـ تحقيق ـ هذا وأمثاله أطمع إبليس في رحمة الله من عين المنة ، ولو قنط من رحمة الله لزاد عصيانه عصيانا ، وإن كانت