وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ (٥٥) أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ) (٥٦)
النفس عند العرب تذكر وتؤنث ، كما قال تعالى : (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى) الآية ، فأنث ، فقال (بَلى قَدْ جاءَتْكَ) بكاف مكسورة خطاب المؤنث (آياتِي فَكَذَّبْتَ بِها) بتاء مفتوحة خطاب المذكر والعين واحدة (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ) فتعلم ما فاتها من الإيمان بالرسول واتباع سنّته ، فإنه إذا كانت الصورة التي يتجلى فيها الحق هي ظلة غمام الشريعة ، فرأسها كتاب الله ، وجنبها سنة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ومما يدل على ذلك قوله تعالى (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ) مع قوله في أثناء السورة (اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ) فعلم أنه كتاب الله وكذا سنة رسوله صلىاللهعليهوسلم ، لأنه لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ، فلما مهد الأمر بالمتابعة لكتابه وسنة رسوله صلىاللهعليهوسلم حذر من إتيان عذابه قبل ذلك ومن قول النفس (يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ) وذلك كالصريح في أن الجنب هو سنة رسوله صلىاللهعليهوسلم. والجنب جنبان : جنب حسي وجنب معنوي حقيقي ، وقد روى أبو عبد الله الحكيم الترمذي بسنده إلى عبد الله بن سلام رضي الله عنه ، أن النبي صلىاللهعليهوسلم يجلسه الله معه على العرش ، وذلك يتخرج على أن الصورة التي يتجلى الله تعالى فيها ظلة غمامة ، وهي أنوار آياته ، وفي تلك الصورة يتجلى على العرش ، ونبينا صلىاللهعليهوسلم يتجلى لأمته في ظل سنته ، وكتاب الله وسنة رسوله صلىاللهعليهوسلم لا يفترقان ، كما لا تفارق لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ، فمن ها هنا صحت المجالسة له مع ربه على عرشه ، ووضح بهذا حسرة النفوس التي شقيت بمخالفته على تفريطها في جنب الله تعالى ، لأنها تشهد هنالك حقيقة معية ربه له تعالى ومجالسته. ولأنهم كانوا يسخرون من الذين آمنوا في اتباعهم لرسوله صلىاللهعليهوسلم ، أردفت حسرتها بقولها (وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ) وبقولها :
(أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللهَ هَدانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (٥٧) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) (٥٨)
فرد الله عليها بقوله :