الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) (٦٥)
(لَئِنْ أَشْرَكْتَ) وقد علم أنه صلىاللهعليهوسلم لا يشرك ، فالمقصود من أشرك من أمته فهذه صفته ، فإنه المخاطب والمقصود أمته ، وهذا مثل قولهم : إياك أعني فاسمعي يا جارة ، فإنه معلوم أنه مغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، وهو على بينة من ربه في مآله ، فعلمنا بقرائن الأحوال أنه المخاطب ، والمراد غيره لا هو ، والوحي كان قبل رسول الله صلىاللهعليهوسلم ولم يجيء خبر إلهي أن بعده وحيا ، كما ذكر في هذه الآية ولم يذكر وحيا بعده ، وإن لم يلزم هذا فسبيل الوحي انقطع بموت رسول الله صلىاللهعليهوسلم (لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) كسائر العبادات من الصوم والصلاة ، لم يكن ذلك مشروعا لعدم الشرط المصحح وهو الإيمان.
(بَلِ اللهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (٦٦) وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) (٦٧)
(ما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ) لما كان الأمر العظيم يجهل قدره ولا يعلم ويعز الوصول إليه ، تنزلت الشرائع بآداب التوصل فقبلها أولوا الألباب ، قالت اليهود في الخبر النبوي المشهور ، من كون الحق يضع الأرض يوم القيامة على إصبع ، والسموات على إصبع ـ الحديث ـ فقرأ النبي صلىاللهعليهوسلم هذه الآية (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ) (وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ) اعلم أن كل جسم أرض لروحه ، وما ثمّ إلا جسم وروح ، غير أن الأجسام على قسمين : عنصرية ونورية ، وهي أيضا طبيعية ، فربط الله وجود الأرواح بوجود الأجسام ، وبقاء الأجسام ببقاء الأرواح ، فالأرواح تابعة للأجسام ليست الأجسام تابعة للأرواح ، فإذا قبض على الأجسام فقد قبض على الأرواح فإنها هياكلها ، فأخبر أن الكل قبضته ليستخرج ما فيها ، ليعود بذلك عليها ، وهو قوله تعالى : (والله بكل شيء محيط) ومن أحاط بك فقد قبض عليك ، لأنه ليس لك منفذ مع وجود الإحاطة ـ القبضة واليمين ـ نظر العقل بما يقتضيه الوضع ، أنه منع أولا أن يقدر قدره ، لما يسبق إلى العقول