يقول : بالخرق ، ولو لا الخرق ما رفع مكانا عليا ، وكان عليهالسلام نبيا يدعو إلى كلمة التوحيد لا إلى التوحيد ، فإن التوحيد ما أنكره أحد ، فإن مقالات الأنبياء في الحق لم تختلف ، لأنهم ما قالوا عن نظر وإنما قالوه عن الواحد ، ولهذا ما دعوا الناس إلا إلى كلمة التوحيد لا إلى التوحيد ، ومن تكلم في الحق من نظره ما تكلم في محظور فإن الذي شرع لعباده توحيد المرتبة ، وما ثمّ إلا من قال بها ، وما أخذ المشركون إلا بالوضع من حيث كذبوا في أوضاعهم واتخذوها قربة ولم ينزلوها منزلة صاحب تلك الرتبة الأحدية ، ثم رفعه الله المكان العلي فنزل بفلك الشمس ، وهو الفلك الرابع وسط الأفلاك السماوية وهو القلب ، لأن فوقه خمس كور وتحته مثل ذلك ، فقال تعالى :
(وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا) (٥٧)
(وَرَفَعْناهُ) أي إدريس (مَكاناً عَلِيًّا) وهي السماء الرابعة ، وسميت بذلك لكونها قلبا ، أي قلب الأفلاك ، فهي قلب السموات وقطبها ، فهو مكان عال بالمكانة ، وما فوقه وإن كان دونه فهو أعلى بالمسافة وبالنسبة إلى رؤوسنا ، فأراد الحق علو مكانة المكان ، فلهذا المكان من المكانة رتبة العلو ، فإدريس عليهالسلام ما مات إلى الآن ، بل رفعه الله مكانا عليا ، فهو في السماء الرابعة حيث الشمس ، ونسبة إدريس عليهالسلام مع الشمس كون الشمس في الوسط ومدار الأسفل والأعلى عليها ، وهي بمنزلة القطب فناسبها بذلك ، وهو أول من خط بالقلم ، فله الرفعة في الكتابة والتعبير فكان منزلته في العلو منزلة القلم الذي لا أعلى منه.
(أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ وَإِسْرائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنا وَاجْتَبَيْنا إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا) (٥٨)
هذه السجدة سجدة إنعام رحماني ، وهي سجدة النبيين المنعم عليهم ، فهذا بكاء فرح