من المصاحف ، فلا يبقى مترجم يقبل نزول القرآن عليه من قوله تعالى : (الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ خَلَقَ الْإِنْسانَ عَلَّمَهُ الْبَيانَ) فإذا بقيت صورة جسم الإنسان مثل أجسام الحيوان ، وزالت الصورة الإلهية بالتجريد ، وهي صورة الإنسان الكامل الذي قال فيه الحق [إن الله خلق آدم على صورته] نفخ في الصور ، فصعق من في السموات والأرض إلى يوم النشور ، وهو يوم الظهور ، الذي لا ضد له ، وأما قوله تعالى : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ) يحتمل أن تكون الملائكة ، ويحتمل أن تكون الأرواح (وَمَنْ فِي الْأَرْضِ) فالصعق يقع على من في السموات والأرض ، بما في ذلك أرواح البشر التي سبق أن فارقت الأجساد ، فيصعق العالم أصحاب السماع (إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ) من خلقه ومن هذه الأرواح ، لذلك لم يكن الأجل المسمى في قوله تعالى : (وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ) هو الموت ، لأنه استثنى لا يصعقون فلا يموتون ، فإما أن يكونوا على حقائق لا تقبل الموت ، فيكون استثناء منقطعا ، وإما أن يكونوا على مزاج يقبل الموت ولكن لم يسمعوا النفخ ، فلم يدركهم فلم يصعقوا ، فيكون استثناء متصلا (ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى) فثنّى النفخ ، وتسمى نفخة البعث ونفخة الفزع ، فيفيقون ويفزعون إلى ربهم ، والملائكة ليست لهم آخرة ، فإنهم لا يموتون فيبعثون ، ولكن صعق وإفاقة (فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ) ـ بحث في الصور ـ سئل رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن الصور : ما هو؟ فقال صلىاللهعليهوسلم : [هو قرن من نور ألقمه إسرافيل] فأخبر أن شكله شكل القرن ، فوصف بالسعة والضيق ، فإن القرن واسع ضيق ، ولتعلم أن الله سبحانه إذا قبض الأرواح من هذه الأجسام الطبيعية ـ حيث كانت ـ والعنصرية ، أودعها صورا جسدية في مجموع هذا القرن النوري ، فجميع ما يدركه الإنسان بعد الموت في البرزخ من الأمور ، إنما يدركه بعين الصورة التي هو فيها في القرن وبنورها ، وهو إدراك حقيقي ، ومن الصور هنالك ما هي مقيدة عن التصرف ، ومنها ما هي مطلقة كأرواح الأنبياء كلهم وأرواح الشهداء ، ومنها ما يكون لها نظر إلى عالم الدنيا في هذه الدار ، ومنها ما يتجلى للنائم في حضرة الخيال التي هي فيه ، وهو الذي تصدق رؤياه أبدا ، وكذلك قوم فرعون يعرضون على النار في تلك الصور غدوة وعشية ، ولا يدخلونها ، فإنهم محبوسون في ذلك القرن وفي تلك الصورة ، ويوم القيامة يدخلون أشد العذاب ، وهو العذاب المحسوس لا المتخيل ، الذي كان لهم في حال موتهم بالعرض ، وكل إنسان في البرزخ مرهون بكسبه محبوس في صور