أعماله إلى أن يبعث يوم القيامة من تلك الصور في النشأة الآخرة ـ بحث في الحشر ـ اعلم أن الروح الإنساني أوجده الله حين أوجده مدبرا لصورة طبيعية حسية له ، سواء كان في الدنيا أو في البرزخ أو في الدار الآخرة أو حيث كان ، فأول صورة لبستها الصورة التي أخذ عليه فيها الميثاق بالإقرار بربوبية الحق عليه ، ثم إنه حشر من تلك الصورة إلى هذه الصورة الجسمية الدنياوية ، وحبس بها في رابع شهر من تكوين صورة جسده في بطن أمه إلى ساعة موته ، فإذا مات حشر إلى صورة أخرى من حين موته إلى وقت سؤاله ، فإذا جاء وقت سؤاله حشر من تلك الصورة إلى جسده الموصوف بالموت ، فيحيا به ويؤخذ بأسماع الناس وأبصارهم عن حياته بذلك الروح ، إلا من خصه الله تعالى بالكشف عن ذلك من نبي أو ولي من الثقلين ، وأما سائر الحيوان فإنهم يشاهدون حياته وما هو فيه عينا ، ثم يحشر بعد السؤال إلى صورة أخرى في البرزخ يمسك فيها ـ بل تلك الصورة هي عين البرزخ ، والنوم في ذلك على السواء ـ إلى نفخة البعث ، فيبعث من تلك الصورة ويحشر إلى الصورة التي كان فارقها في الدنيا إن كان بقي عليه سؤال ، فإن لم يكن من أهل ذلك الصنف حشر إلى الصورة التي يدخل بها الجنة ، والمسؤول يوم القيامة إذا فرغ من سؤاله حشر في الصورة التي يدخل بها الجنة أو النار ، وأهل النار كلهم مسؤولون ، فإذا دخل السعداء الجنة واستقروا فيها ثم دعوا إلى الرؤية وبادروا ، حشروا في صورة لا تصلح إلا للرؤية ، فإذا عادوا حشروا في صورة تصلح للجنة ، وفي كل صورة ينسى صورته التي كان عليها ، ويرجع حكمه إلى حكم الصورة التي انتقل إليها وحشر فيها ، فإذا دخل سوق الجنة ورأى ما فيه من الصور ، فأية صورة رآها واستحسنها حشر فيها ، فلا يزال في الجنة دائما يحشر من صورة إلى صورة إلى ما لا نهاية له ، ليعلم بذلك الإتساع الإلهي ، ولو تفطنت لعرفت أنك الآن كذلك ، تحشر في كل نفس في صورة الحال التي أنت عليها ، ولكن يحجبك عن ذلك رؤيتك المعه دة ، وإن كنت تحس بانتقالك في أحوالك التي عليها تتصرف في ظاهرك وباطنك ، ولكن لا تعلم أنها صور لروحك تدخل فيها في كل آن وتحشر فيها ، واعلم أن الأرواح لما كانت حياتها ذاتية لها لم يصح فيها موت البتة ، ولما كانت الحياة في الأجسام بالعرض قام بها الموت والفناء ، فإن حياة الجسم الظاهرة من آثار حياة الروح كنور الشمس الذي في الأرض من الشمس ، فإذا مضت الشمس تبعها نورها وبقيت الأرض مظلمة ،