(وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ) أي بإذن الله ، وهو قول جبريل ، فإن الخاصية لا تؤثر في الملائكة ، ولا تنزل بها ، وذلك لمانع إلهي قوي يقتضيه مقام الأملاك ، أما أرواح الكواكب فتستنزل بالأسماء والبخورات وأشباه ذلك ، وكذلك الأرواح النارية ، أما من كان تنزله بأمر ربه لا تؤثر فيه الخاصية ، فإن العالم النوراني خارجون عن أن يكون للعالم البشري عليهم تولية ، فكل منهم على مقام معلوم عيّنه له ربه ، فما يتنزل إلا بأمر ربه ، فمن أراد تنزيل واحد منهم فيتوجه في ذلك إلى ربه ، وربه يأمره ويأذن له في ذلك إسعافا لهذا السائل ، أو ينزله عليه ابتداء ، وقول جبريل لمحمد صلىاللهعليهوسلم هو ما قال له الحق أن يقول لنبيه صلىاللهعليهوسلم عن ربه ، ولهذا جعله من القرآن ، وهو حكاية الله عن جبريل ، وجبريل هو الذي نزل به ، وما أخرجه نزوله به والحكاية عنه عن أن يكون قرآنا ، فكان جبريل يحكي عن الله تعالى ما حكى الله تعالى عن جبريل أن لو قال لمحمد صلىاللهعليهوسلم ذلك لقاله له على هذا الحد في عالم الشهادة (وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ ، لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا وَما بَيْنَ ذلِكَ وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا) فيما شاهده من قول جبريل لمحمد عليهماالسلام وهم أعيان ثابتة في حال عدمهم وخطاباتهم ، أعيان ثابتة في حال عدمهم له ، فهو الإشارة إليه بقوله (نَسِيًّا) فكانت الحكاية أمرا محققا عن وجود لله محقق لا يتصف بالحدوث ، ثم حدث الوجود لتلك الأعيان ، فأخبرت بما كان منها قبل كونها مما شاهده الحق ولم تشهده لعدم وجودها في عينها ، ومن ذلك نعلم أن المعلم على الحقيقة هو الله تعالى ، ورجوع التعليم بالواسطة وغير الواسطة إلى الرب ، ولذلك قال الملك (وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ) (وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا) أي لا ينسى ، كان صلىاللهعليهوسلم يقول [اتركوني ما تركتكم] وقال [لو قلت نعم ـ للسائل عن الحج كلّ عام ـ لوجبت] وكانت الأحكام تحدث بحدوث السؤال عن النوازل ، فكان غرض النبي صلىاللهعليهوسلم حين علم ذلك أن يمتنع الناس عن السؤال ويجرون مع طبعهم ، حتى يكون الحق هو الذي يتولى من تنزيل الأحكام ما شاء ، فكانت الواجبات والمحظورات تقل ، وتبقى الكثرة من قبيل المباحات التي لا يتعلق بها أجر ولا وزر ، فأبت النفوس ذلك وأن تقف عند الأحكام المنصوص عليها ، فأثبتت لها عللا وجعلتها مقصودة للشارع ، وطردتها وألحقت المسكوت عنه في الحكم بالمنطوق به بعلة جامعة بينهما اقتضاها نظر الجاعل المجتهد ، ولو لم يفعل لبقي المسكوت عنه على أصله من الإباحة والعافية ، فكثرت الأحكام بالتعليل وطرد العلة والقياس