ذلِكَ مِنْ آياتِ اللهِ مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً) (١٧) فالكل بيده وإليه يرجع الأمر كله.
(وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً) (١٨)
انظر إلى قوله تعالى لنبيه صلىاللهعليهوسلم ، الذي ليس من شأنه ولا من شأن الأنبياء عليهمالسلام أن ينهزم ، ولا أن يقتل في مصاف (لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً) فوصفه بالانهزام ، وقوله صدق ، أترى ذلك عن رؤية أجسامهم؟ أليسوا أناسي مثله ، فما ينهزم إلا من أمر يريد إعدامه ، ولا يملأ مع شجاعته وحماسته رعبا إلا من شيء يهوله ، فلو لم ير منهم ما هو أهول مما رآه ليلة إسرائه ما امتلأ رعبا مما رآه ـ ولا يملأ رعبا من صور أجسامهم ـ فذلك الذي كان يملؤه رعبا ، وما ذكر الله إلا رؤية عينهم ، لأنه قال (لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ) فوصفه بالاطلاع ، فهم أسفل منه بالمقام ، ومع هذا كان يولي منهم فرارا ، خوفا أن يلحق بهم فينزل من مقامه ، ويملأ منهم رعبا لئلا يؤثروا فيه ، من تأثير الأدنى في الأعلى ، ومن علم الأمر على هذا حقيق عليه أن يولي فرارا ويملأ رعبا ، هل رأيتم عاقلا يقف على جرف مهواة إلا ويفر خوفا من السقوط ، فانظر فيما تحت هذا النعت الذي وصف الله به نبيه لو اطلع على الفتية ، مع علو رتبتهم وشأنهم ، فعلوّه أعلى ورتبته أسنى ، فعرّفنا الله بذلك ، ينبهنا على علو رتبة نبينا محمد صلىاللهعليهوسلم ، وانظر إلى ما ذا ترجع صور العالم هل لأنفسهم أو لرؤية الناظر ، وانظر ما ترى ، واعلم ما تنظر ، وكن بحيث تعلم لا بحيث ترى ، فإن الله ينكر بالرؤية ولا ينكر بالعلم ، فإذا لم ينكر بالرؤية فبشاهد العلم لم ينكر.
(وَكَذلِكَ بَعَثْناهُمْ لِيَتَساءَلُوا بَيْنَهُمْ قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ