والرأي والاستحسان ، (وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا).
(رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا (٦٥) وَيَقُولُ الْإِنْسانُ أَإِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا (٦٦) أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً) (٦٧)
(أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ) الإنسان عالم بالذات إلا أنه ينسى ، فكل علم يحصل له إنما هو تذكّر ، ولا يشعر به أنه تذكر إلا أهل الله ، فإن الله أودع في الإنسان علم كل شيء ، ثم حال بينه وبين أن يدرك ما عنده مما أودع الله فيه ، ولقد خاطب الحق الإنسان وحده في هذه الآية لأنه المعتبر الذي وجد العالم من أجله ، وإلا فكل ممكن بهذه المثابة ، فما هو الإنسان مخصوص بهذا وحده بل العالم كله على هذا ، وهو من الأسرار الإلهية التي ينكرها العقل ويحيلها جملة واحدة ، وقربها من الذوات الجاهلة في حال علمها قرب الحق من العبد ، وهو قرب لا يدرك ولا يعرف إلا تقليدا ، ولو لا إخباره ما دل عليه عقل ، فكل ما يعلمه الإنسان دائما ـ وكل موجود ـ فإنما هو تذكر على الحقيقة وتجديد ما نسيه ، وليس المحال تعلق العلم بما لا يتناهى ، وإنما المحال دخول ما لا يتناهى في الوجود لا تعلق العلم به ، فإن الخلق أنساهم الله ذلك كما أنساهم شهادتهم بالربوبية في أخذ الميثاق مع كونه قد وقع ، وعرفنا ذلك بالإخبار الإلهي ، فعلم الإنسان دائما إنما هو تذكّر ، فمنّا من إذا ذكرته تذكّر أنه قد كان علم ذلك المعلوم ونسيه ، ومنا من لا يتذكر ذلك مع إيمانه به أنه قد كان يشهد بذلك ، ويكون في حقه ابتداء علم ، ولو لا أنه عنده ما قبله من الذي أعلمه ، ولكن لا شعور له بذلك ، ولا يعلمه إلا من نور الله بصيرته (أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً) وكل ممكن بهذه المثابة ، ولكن الإنسان هو المعتبر الذي وجد العالم من أجله. ومن وجه آخر أنه ما ادعى أحد الألوهية سواه من جميع المخلوقات ، وأعصى الخلائق إبليس ، وغاية جهله أنه رأى نفسه خيرا من آدم لكونه من نار ، لاعتقاده أنه أفضل العناصر ، وغاية معصيته أنه أمر بالسجود لآدم فتكبر في نفسه عن السجود لآدم لما ذكرناه وأبى ، فعصى الله في أمره فسماه الله كافرا ، فإنه جمع بين المعصية والجهل ، والإنسان ادعى أنه الرب الأعلى ، فلهذا