خص بالخطاب في قوله (أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ) أي قدّرناه في حال شيئيته المتوجه عليها أمرنا إلى شيئية أخرى ، لقوله تعالى (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ) يعني في حال عدمه (أن نقول له كن فيكون) وكن كلمة وجودية من التكوين ، فسماه شيئا في حال لم تكن فيه الشيئية المنفية بقوله (وَلَمْ يَكُ شَيْئاً) نبهه على أصله ، فأنعم عليه بشيئية الوجود ، فأحاله على هذه الصفة أن يكون مستحضرا لها ، فإن الله لما امتن علينا بالاسم الرحمن ، وتولانا منه سبحانه ابتداء الرحمة ، أخرجنا من الشر الذي هو العدم إلى الخير الذي هو الوجود ، ولهذا امتن الله تعالى بنعمة الوجود فقال (أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً) يريد منك في شيئيتك أن تكون معه كما كنت وأنت لا هذه الشيئية ، فالمراد من كل ما سوى الله أن يعبد الله ، فإن الإنسان لما قال منكرا (أَإِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا) أحاله الله تعالى على نشأته الأولى ، فقال (أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً) وهذا فيه وجهان : الوجه الواحد ، أن هذا الذي يقال له الإنسان لم يك قبل ذلك إنسانا ، فشيئا هنا معناه إنسانا ، كما تقول في جسد الإنسان إذا مات إنه إنسان بحكم المجاز ، أي قد كان إنسانا ، فإنه لا يتغذى ولا يحس ولا ينطق ، ومتى بطلت الأوصاف الذاتية بطل الموصوف ، فقد كان الإنسان قبل أن يطلق عليه اسم إنسان ترابا وماء وهواء ونارا وروحا قدسيا إلهيا ، وقد كان دما ثم انتقل نطفة وهي نشأة الأين ، وقد كان ذلك الدم برّا ولحما وشحما وفاكهة وغير ذلك من المطعومات ، فقد كان الإنسان أشياء لكن لم يكن إنسانا. والوجه الآخر ، أن يكون قد أحاله على حقيقته الأولى التي هو فيها الإنسان بالقوة ، وهو أول البدء ، وهو شيء من لا شيء ولا كان شيئا ، وأحاله في هذه الآية على النظر الفكري الذي يستدل به على معرفة الفاعل ـ نصيحة ـ اعلم أنه ما يكون منك ولا تمتحن وتختبر حتى تمكّن من نفسك وتجعل قواك لك ، ويسدل الحجاب بينك وبين ما هي الأمور عليه ، حتى ترى ما يستخرج منك ، هذه هي الفتنة ، فإذا أراد الرجل التخلص من هذه الورطة ، فلينظر إلى الأصل الذي كان عليه قبل الفتنة ، وقد أحالك الله عليك إن تفطنت بقوله (أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً) فانظر إلى حالك مع الله إذ لم تكن شيئا وجوديا ، ما كنت عليه مع الحق؟ فلتكن مع الله في شيئية وجودك على ذلك الحكم ، لا تزد على ذلك شيئا إلا ما اقتضاه الخطاب فقف عنده ، فإنه من بقي في حال وجوده مع