الله كما كان في حال عدمه فذلك الذي أعطى الله حقه ، ومن ادعى مع الله في نعته وزاحمه في صفاته أحاله من دائه العضال على استعمال دواء (أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً) يقول له : كن معي في شيئية وجودك كما كنت إذ لم تكن موجودا ، فأكون أنا على ما أنا عليه ، وأنت على ما أنت عليه.
(فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّياطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا) (٦٨)
أقسم الله جل ثناؤه على الحشر الروحاني والجسماني ، أقسم سبحانه على نفسه باسمه الرب المضاف إلى نبيه محمد عليهالسلام فقال (فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّياطِينَ) الآية ، فإن الإنسان لما قال منكرا (أَإِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا) وسمع النبي عليهالسلام من الإنسان هذا الإنكار وتكذيبه فيما قال الله من حشر الأجساد بعد موتها ، ولهذا ورد في الخبر الصحيح عن الله تعالى ، يقول الله تعالى [شتمني ابن آدم ولم يكن ينبغي له ذلك ، وكذبني ابن آدم ولم يكن ينبغي له ذلك ، أما شتمه إياي فقوله : إن لي صاحبة وولدا ، وأنا الواحد الأحد لم اتخذ صاحبة ولا ولدا ، وأما تكذيبه إياي فبقوله : إني لا أعيده كما بدأته ، وليس أول الخلق عليّ بأهون من إعادته] فلما كان في إنكار الحشر والإعادة تكذيب الله جل وعلا ، شق ذلك على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ولما لم تكن الدنيا دار انتقام مطلق ، أقسم الباري باسمه جل ثناؤه ـ المضاف إلى نبيه ـ بحشر الجميع الصالح والطالح في مقابلة الإنكار الروحاني والترابي ، وجعل الطريق الذي هو الصراط على النار ، حتى لا يبقى أحد إلا ويرد عليها ، فمنهم السوي ومنهم المكبوت (وما قدروا الله حق قدره) فقال تعالى (فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ) من أنكر الحشر (وَالشَّياطِينَ) فهم الذين يوحون إليهم ليجادلوا أهل الحق ، فذكروا له صلىاللهعليهوسلم في المقسومين عليهم ، حتى يسكن ما يجده من الألم بالوعد الذي وعده الله للانتقام المطلق.
(ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا (٦٩) ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلى بِها صِلِيًّا (٧٠) وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا) (٧١)
لما كان الصراط على النار ، وما تمّ طريق إلى الجنة إلا عليه ، قال تعالى (وَإِنْ مِنْكُمْ