(٢٠) سورة طه مكيّة
بسم الله الرّحمن الرّحيم
هذه السورة أشرف سورة في القرآن في العالم السعيد ، فإنها السورة التي يقرؤها الحق تعالى في الجنة على عباده بلا واسطة ، فإذا تلا الحق على أهل السعادة من الخلق سورة طه تلاها عليهم كلاما ، وتجلى لهم فيها عند تلاوته صورة ، فيشهدون ويسمعون ، فكل شخص حفظها من الأمة يتحلى بها هنالك كما تحلى بها في الدنيا بالحاء المهملة ، فإذا ظهروا بها في وقت تجلي الحق بها وتلاوته إياها تشابهت الصور ، فلم يعرف المتلو عليهم الحق من الخلق إلا بالتلاوة ، فإنهم صامتون منصتون لتلاوته ، ولا يكون في الصف الأول بين يدي الحق في مجلس التلاوة إلا هؤلاء الذين أشبهوه في الصورة القرآنية الطاهيّة ، ولا يتميزون عنه إلا بالإنصات خاصة ، فلا يمر على أهل النظر ساعة أعظم في اللذة منها ، فمن استظهر القرآن هنا بجميع رواياته حفظا وعلما وعملا فقد فاز بما أنزل الله له القرآن ، وصحت له الإمامة ، وكان على الصورة الإلهية الجامعة ، فمن استعمله القرآن هنا استعمل القرآن هناك ، ومن تركه هنا تركه هناك.
(طه (١) ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى (٢) إِلاَّ تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى (٣) تَنْزِيلاً مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّماواتِ الْعُلى (٤) الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) (٥)
المسألة الأولى ـ بحث عام في الألفاظ التي تعطي التشبية والتجسيم ـ المحقق الواقف العارف بما تقتضيه الحضرة الإلهية من التقديس والتنزيه ونفي المماثلة ، لا يحجبه ما نطقت به الآيات والأخبار في حق الحق تعالى ، من أدوات التقييد بالزمان والجهة والمكان وما أشبه ذلك من الأدوات اللفظية ، وقد تقرر بالبرهان العقلي خلقه الأزمان والأمكنة والجهات والألفاظ والحروف والأدوات والمتكلم بها والمخاطبين من المحدثات ، كل ذلك خلق الله