تنسب إلى كل ذات بحسب ما تعطيه حقيقة تلك الذات ، ولا حاجة لنا إلى التكلف في صرف الاستواء عن ظاهره ، فهو استواء منزه عن الحد والمقدار ، معلوم عنده ، غير مكيف ولا معلوم للعقول والأذهان ، وكما لا يلزم من الفوق إثبات الجهة ، كذلك لا يلزم من الاستواء إثبات المكان ، فذلك الاستواء مجهول النسبة ، ثابت الحكم ، متوجه كما ينبغي لجلاله نخلص من ذلك إلى القول بأن استواء الرحمن ليس كاستواء الأكوان ، وأنه لو جلس عليه جلوسا كما يدعيه المشبهة لحدّه المقدار ، وقام به الافتقار إلى مخصص مختار ، لا تحيط به الجهات والأقطار ، والافتقار على الله محال ، فالاستقرار بمعنى الجلوس عليه محال ، ولا سبيل إلى هذا الاعتقاد بحال ، وما بقي فيه سوى أمرين مربوطين بحقيقتين ، الأمر الواحد أن نصرف هذا الاستواء إلى الاستيلاء ، والأمر الآخر أن نؤمن بها كما جاءت من غير تشبيه ولا تكييف ، ونصرف العلم بها إليه ، فإنه أسلم بالمؤمنين عند قدومهم عليه ، ولهذا يختم المنزّه تأويله بقوله : والله أعلم ، لمعرفته بأن التنزيه قائم بذاته ، ولكن صرف هذه الآية إلى هذا الحكم لا يلزم. فتحفظوا من مكر الله في التأويل واستدراجه ، واسألوه الثبات على منهاجه ، وطهروا قلوبكم بماء التقديس والتنزيه ، من التجسيم والتشبيه ، فإنه ليس كمثله شيء ، وهو السميع البصير ، ويستوي ويجيء وينزل ، وهو في السماء وفي الأرض كما قاله ، وعلى المعنى الذي أراده ، من غير تشبيه ولا تكييف ، وهو العليم القدير. ـ المسألة الثالثة في معنى العرش ـ الوجه الأول ـ (عَلَى الْعَرْشِ) أي على ملكه ، فالعرش عين الملك ، يقال : ثلّ عرش الملك إذا اختل ملكه ـ الوجه الثاني ـ العرش الذي استوى عليه الرحمن ، هو سرير ذو أركان أربعة ووجوه أربعة ، وله أربعة قوائم يحمله منها أربعة من الملائكة ، وفي كل نصف وجه قائمة ، فهي ثمانية قوائم ، لا حامل لتلك الأربعة اليوم إلى يوم القيامة ، فإذا كان في القيامة وكّل الله بها من يحملها ، فيكونون في الآخرة ثمانية وهم في الدنيا أربعة ، وقوائم هذا العرش على الماء الجامد ، فالعرش إنما يحمله الماء الجامد ، والحملة التي له إنما هي خدمة له تعظيما وإجلالا ، وذلك الماء الجامد مقره على الهواء البارد ، والعرش مجوف ، محيط بجميع ما يحوي عليه من كرسي وأفلاك وجنات وسموات وأركان ومولدات ، وبين مقعر العرش والكرسي فضاء واسع وهواء محترق ، والكرسي في العرش كحلقة ملقاة ، ولما أوجد الله العرش استوى عليه الرحمن واحد الكلمة لا مقابل لها ، فهو رحمة كله ، ليس فيه ما