يقابل الرحمة ، وإن وقع ببعض العالم غصص ، فذلك لرحمة فيه. لو لا ما جرعه إياها اقتضى ذلك مزاج الطبع ومخالفة الغرض النفسي ، فهو كالدواء الكريه والطعم الغير المستلذ وفيه رحمة للذي يشربه ويستعمله وإن كرهه ، فباطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب ، وما استوى عليه الرحمن تعالى إلا بعد ما خلق الأرض وقدّر فيها أقواتها ، وخلق السموات وأوحى في كل سماء أمرها ، وفرغ من خلق هذه الأمور كلها ، ورتب الأركان ترتيبا يقبل الاستحالات لظهور التكوين والتنقل من حال إلى حال ، وبعد هذا استوى على العرش ، فالعرش هو الجسم الكلي ، واستوى عليه سبحانه بالاسم الرحمن بالاستواء الذي يليق به ، الذي لا يعلمه إلا هو ، من غير تشبيه ولا تكييف ، وهو أول عالم التركيب ، وقد قال تعالى (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) في معرض التمدح ، فلو كان في المخلوقات أعظم من العرش لم يكن ذلك تمدحا ، والعرش المذكور في هذه الآية مستوى الرحمن وهو محل الصفة ـ المسألة الرابعة في تفسير الآية ـ اعلم أن الله سبحانه ما استوى على عرش إلا بالاسم الرحمن ، إعلاما بذلك أنه ما أراد بالإيجاد إلا رحمة بالموجودين ، ولم يذكر غيره من الأسماء ، وذكر الاستواء على اعظم المخلوقات إحاطة من عالم الأجسام ، فإن الآلام ليس محلها إلا التركيب ، وأما البسائط فلا تقبل في ذاتها قيام معنى بها ، بل هي عين المعنى ، فتدل هذه الآية على شمول الرحمة للعالم وإن طرأت عوارض البلايا ، فإنها رحمة كما ذكرنا في شرب الدواء الكريه ، ليس المقصود منه عذاب من شربه ولا إيلامه ، وإنما المقصود من استعماله ما يؤول إليه من استعمله من الراحة والعافية ، فللحق سبحانه تجل عام إحاطي ، وتجل خاص شخصي ، فالتجلي العام تجل رحماني. وهو قوله تعالى (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) فمن معافى ومبتلى ، بحسب ما يحكم فيه من الأسماء إلى الأجل المسمى ، فتعم الرحمة التي وسعت كل شيء من الرحمن الذي استوى على العرش ، فتعم النعم العالم ، فإن العرش ما حوى ملكه كله مما وجد ، وعرشه وسع كل شيء ، والنار ومن فيها من الأشياء ، والرحمة سارية في كل موجود ، والتجلي الخاص هو ما لكل شخص شخص من العلم بالله ، والرحمن لا يظهر عنه إلا مرحوم ، لذلك قال (عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) لنعلم إذا ظهرت أعياننا وبلّغتنا سفراؤه هذا الأمر شمول الرحمة وعمومها ، ومآل الناس والخلق كلها إليها ، فلو لم يكن من عظيم الرجاء في شمول الرحمة إلا قوله (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) لكفى فإذا استقرت