الرحمة في العرش الحاوي على جميع أجسام العالم ، فكل ما يناقضها أو يريد رفعها من الأسماء والصفات فعوارض لا أصل لها في البقاء ، لأن الحكم للمستولي وهو الرحمن ، فإليه يرجع الأمر كله ، فيكون المآل للرحمة التي وسعت كل شيء ، فهو في الدنيا يرزق مع الكفر ويعافي ويرحم ، فكيف مع الإيمان والاعتراف في الدار الآخرة على الكشف كما كان في قبض الذرية؟ ـ إشارة ـ قرأ أبو العباس العريبي (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ) وقف والابتداء (اسْتَوى).
(لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَما تَحْتَ الثَّرى) (٦)
أي ثبت له ما في السموات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى ، فالاسم الرحمن ثابت الحكم في كل ما يحوي عليه العرش ، وهو قوله (ورحمتي وسعت كل شيء) فمآل الكل إلى الرحمة وإن تخلل الأمر آلام وعذاب وعلل وأمراض مع حكم الاسم الرحمن ، فإنما هي أعراض عرضت في الأكوان دنيا وآخرة ، ومن أجل أن الرحمن له الأسماء الحسنى ، ومن الأسماء الضار والمذل والمميت ، فلهذا ظهر في العالم مالا تقتضيه الرحمة ولكن لعوارض ، وفي طي تلك العوارض رحمة ، ولو لم يكن إلا تضاعف النعيم والراحة عقيب زوال حكمه ، ولهذا قيل : أحلى من الأمن عند الخائف الوجل ، فما تعرف لذات النعيم إلا بأضدادها ، فما ثمّ حكم إلا للرحمن لأنه المستوي على العرش ، فلا تنفذ الأحكام إلا من هذا الاسم ، فالرحمن استوى على عرشه ، وما انقسمت الكلمة إلا من دون العرش ، من الكرسي فما تحته ، فإنه موضع القدمين ، ليس سوى انقسام الكلمة ، فظهر الأمر والخلق ، والنهي والأمر ، والطاعة والمعصية ، والجنة والنار ، وكل ذلك عن أصل واحد وهي الرحمة التي هي صفة الرحمن.
(وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى) (٧)
الوجه الأول ـ يدل ظاهر الآية في قوله تعالى (فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ) أي ما يحدّث المرء به نفسه ، لقوله وإن تجهر بالقول ، فإنه يعلم ذلك ويعلم ما تحدث به نفسك ، وهو قوله (ونعلم ما توسوس به نفسه) ومتعلق السر الاسم الباطن ، وهو ما يسره العبد في نفسه ،