وهو خلاف الجهر والعلانية ـ الوجه الثاني ـ السر ما بينك وبينه ، وما هو أخفى ما يستر عنك عينه فالسر ما بين العبد والحق ، والأخفى ما يعلمه سبحانه من العبد ولا يعلمه العبد من نفسه أن يكون فيه ، فلا يعلم الأخفى إلا الله ، والسر يعلمه الزائد ، وما زاد فهو إعلان وزال عن درجة الكتمان ، فقوله (وَأَخْفى) الأخفى عن صاحب السر هو ما لا يعلمه. مما يكون لا بد أن يعلمه خاصة ، فالعلم بما هو أخفى من السر ما لا يعلمه إلا الله وحده ، لا علم لهذا العبد به ، ولا يمكن أن يعلمه إلا الله ، فالأخفى هو سرّ سرّ ، وهو العلم الذي انفرد به الحق دون سواه ، فما هو أخفى من السر ما لا يعلم من الأمر ، وما هو إلا العلم بالله ـ الوجه الثالث ـ (يَعْلَمُ السِّرَّ) والسر هو إخفاء ما له عين (وَأَخْفى) وهو إظهار ما لا عين له ، فيتخيل الناس أن ذلك حق ، والله يعلم أنه ليس له وجود عين في نفس الحكم ، فيعلم السر وأخفى ، أي أظهر في الخفاء من السر ، والشيء الخافي هو الظاهر لغة منقولة ـ الوجه الرابع ـ ومع هذا فإن الألف واللام لها حكم في مطلق اسم السر ، للشمول على جميع ما ينطلق عليه اسم السر ، وما هو أخفى من ذلك السر ، ومن السر النكاح ، فمن أسمائه السر ، فيعلم ما ينتجه النكاح ، وهو قوله (ويعلم ما في الأرحام) فإنه الخالق ما فيها ، ولذلك فإن الإيجاد بمنزلة السر في النكاح ، والأخفى هو التوجه بتعلق القدرة بإيجاد موجود ما ، فنفذ الاقتدار فكان أخفى من السر ، لجهلنا بنسبة هذا التوجه إلى الذات العلية ونسبة الصفات إليها ، لأنها مجهولة لا تعرف فيعرف التوجه ، فأعقب ذلك بتوحيد الموجد للأشياء مع كثرة النسب ، فهو واحد في كثير فقال :
(اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) (٨)
هذا التوحيد السادس عشر في القرآن ، وهو توحيد الإبدال ، فإنه أبدل الله من الرحمن ، وهذا في المعنى بدل المعرفة من النكرة ، لأنهم أنكروا الرحمن ، وفي اللفظ بدل المعرفة من المعرفة ، وهو توحيد الهوية القائمة بأحكام الأسماء الحسنى ، لا أن الأسماء الحسنى تقوم معانيها بها ، بل هي القائمة بمعاني الأسماء ، فهو قائم بكل اسم بما يدل عليه ، وقد تسمى بأحكام أفعاله من طريق المعنى ، فكلها أسماء حسنى ، غير أنه منها ما يتلفظ بها ، ومنها ما يعلم ولا يتلفظ بها لما هو عليه حكمها في العرف من إطلاق الذم عليها ، والله اسم جامع