القلب فطنا بمواقع الكلام ، غواصا في المعاني التي يقصدها من يناجيه بها ـ اعتبار ـ خلع النعلين في الاعتبار يشير إلى خلع صفة الجهل المختصة بالحمار ، لأن النعلين كانتا من جلد حمار ميت ، فهو صفة جهل وموت ، والوادي المقدس في الاعتبار يشير إلى صفة موسوية ـ إشارة ـ خلعت النعلان إشارة لزوال شفعية الإنسان.
(وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى) (١٣)
وقريء «وإنا اخترناك» قرأ بها حمزة على رب العزة في المنام ، وإذا قرىء «وأنا اخترتك» كان أحق بالآية وأنسب وأنفى للتغيير ، فإنه ما زال التوحيد يصحبها إلى آخر الآية في قوله (فاعبدني) وإذا قرىء بالجمع ظهر التغيير بالانتقال في العين الواحدة من الكثير إلى الواحد ، فمساق الآية يقوي «وإنا اخترناك» لأنه عدد أمورا تطلب أسماء مختلفة ، فلابد من التغيير في كل صورة يدعى إليها ، وكان جملة ما تحصل في هذه الواقعة لموسى على ما روي اثنتي عشرة ألف صورة ، يقول له في كل صورة : يا موسى ، ليتنبه موسى على أنه لو أقيم لصورة واحدة لا تسق الكلام ، ولم يقل في كل كلمة : يا موسى ؛ فقوله «إنا اخترناك فجمع ، ثم أفرد ثم عدد ما كلم به موسى عليهالسلام غير أن قوله «وإنا اخترناك» قرأ بها حمزة على رب العزة في المنام ، فقال له ربه : «وإنا اخترناك» فهي قراءة برزخية ، فلهذا جمع لأنه تجل صوري في منام ، فلابد أن تكون القراءة هكذا ، فإذا أفردتها بعد الجمع فلأحدية الجمع لا غير.
(إِنَّنِي أَنَا اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي) (١٤)
هذا هو التوحيد السابع عشر في القرآن ، وهو توحيد الاستماع ، وهو توحيد الإناية ، وقوي بالجمع إذ قد قرىء «وإنا اخترناك» فكثّر ، ثم أفرد فقال «إنني» وإن كلمة تحقيق ، فالإنية هي الحقيقة ، ولما كان حكم الكناية بالياء يؤثر في صورة الحقيقة ، نظرت من في الوجود على صورتها ، فوجدت نونا من النونات ، فقالت لها : قني بنفسك من أجل كناية الياء ، لئلا تؤثر فيّ صورة حقيقتي ، فيشهد الناظر والسامع التغيير في الحقيقة أن الياء هي عين الحقيقة ؛ فجاءت نون الوقاية فحالت بين الياء ونون الحقيقة ، فأحدثت الياء الكسر