في النون المجاورة لها ، فسميت نون الوقاية لأنها وقت الحقيقة بنفسها ، فبقيت الحقيقة على ما كانت عليه لم يلحقها تغيير ، فقال (إِنَّنِي أَنَا اللهُ) ولو لا نون الوقاية لقال (إِنِّي أَنَا اللهُ) فغيرها ، وتغيير الحقيقة بالضمير في الإن هو مقام تجليه في الصور يوم القيامة ، وما ثمّ إلا صورتان خاصة لا ثالث لهما ، صورة تنكر وصورة تعرف ، ولو كان ما لا يتناهى من الصور فإنها محصورة في هذا الحكم ، إما أن تنكر أو تعرف ، لابد من ذلك ، فإذا قرىء (وَأَنَا اخْتَرْتُكَ) كان أحق بالآية وأنسب وأنفى للتغيير ، فإنه ما زال التوحيد يصحبها إلى آخر الآية. تفسير من باب الإشارة ـ الوجه الأول : واعلم أن إنيتين ضبطتهما العبارة ، وهما طرفان ، ولكل واحدة من الإنيتين حكم ليس للأخرى ، إنية في جانب الحق (إِنِّي أَنَا رَبُّكَ) وإنية في جانب الخلق الكامل (إني رسول الله) والإنيتان متميزتان ، إلا أن لإنية الحادث منزلة الفداء والإيثار لجناب الحق بكونها وقاية ، وبهذه الصفة من الوقاية تندرج إنية العبد في الحق اندراجا في ظهور ، فينسب الفعل إلى العبد وليس إليه ، قال صلىاللهعليهوسلم : [الخير كله بيديك ، والشر ليس إليك] قال تعالى (إِنَّنِي أَنَا اللهُ) النون الثانية من إنني هي نون الوقاية ، فلو لا نون العبد التي أثر فيها حرف الياء ، الذي هو ضمير الحق ، فخفض النون ، فظهر أثر القديم في المحدث ، ولولاه لخفضت النون من إن ، وهي إنية الحق فخفضتها ، ومقامها الرحمة التي هي الفتح ، فما أزاله عن مقامه إلا هو ولا أثر فيه سواه ، فأقرب ما يكون العبد من الحق إذا كان وقاية بين إنية الحق وبين ضميره ، فيكون محصورا قد أحاط به الحق من كل جانب ، وكان به رحيما لبقاء صفة الرحمة ، فبابها مفتوح ، وبها حفظ على المحدث وجوده ، فبقي عين نون الوقاية الحادثة في مقام العبودية الذي هو الخفض المتولد عن ياء ضمير الحق ، فظهر في العبد أثر الحق ، وهو عين مقام الذلة والافتقار ، فما للعبد مقام في الوصلة بالحق تعالى أعظم من هذا ، حيث له وجود العين بظهور مقامه فيه ، وهو في حال اندراج في الحق محاط به من كل جانب ، فعرف نفسه بربه حين أثر فيه الخفض ، فعرف ربه حين أبقاه على ما هو عليه من الرحمة ، فإنه الرحمن الرحيم ، فما زال عنه الفتح (فتح أنا) بوجود عين العبد (نون الوقاية) فلا يشهده أبدا إلا رحمانا ، ولا يعلمه أبدا إلا مؤثّرا فيه ، فلا يزال في عبوديته قائما ، وهذا غاية القرب ، ولو لا هذا القرب المعيّن لعاد الأثر على إنية الحق ، ولهذا ظهر في (إِنِّي أَنَا رَبُّكَ) ليعلم أن الأثر إذا صدر من الحق لا بد من