هذه الآية مذكورة باللسان العبراني في التوراة ، فالله أخّر الاستثناء ، فالمحمدي يؤخره ، فإن الله أمر محمدا صلىاللهعليهوسلم بذلك ، والله تعالى يمقت من يقول ما لا يعمل من غير أن يقرن به المشيئة الإلهية ، فإذا علق المشيئة الإلهية بقوله أن يعمل فلا يكون ذلك العمل ، لم يمقته الله ، فإن العبد غاب عن انفراد الحق في الأعمال كلها التي تظهر على أيدي المخلوقين بالتكوين ، وأنه لا أثر للمخلوق فيها من حيث تكوينها ، وإن كان للمخلوق فيها حكم لا أثر. ولما علم الحق أن هذا لا بد أن يقع من عباده وأنهم يقولون ذلك ، شرع لهم الاستثناء الإلهي ليرتفع المقت الإلهي عنهم ، ولهذا لا يحنث من استثنى إذا حلف على فعل مستقبل ، فإنه أضافه إلى الله لا إلى نفسه.
(وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً) (٢٥)
ثلاث مائة وتسع سنين قمرية ، وهذه تعدل ثلاث مائة سنة شمسية.
(قُلِ اللهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ ما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً (٢٦) وَاتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً (٢٧) وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً) (٢٨)
كان سبب هذه الآية أن زعماء الكفار من المشركين كالأقرع بن حابس وأمثاله ، قالوا : ما يمنعنا من مجالسة محمد إلا مجالسته لهؤلاء الأعبد ، يريدون بلالا وخباب بن الأرت وغيرهما ، فكبر عليهم أن يجمعهم والأعبد مجلس واحد ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم حريصا على إيمان مثل هؤلاء ، فأمر أولئك الأعبد إذا رأوه مع هؤلاء الزعماء أن لا يقربوه إلى أن يفرغ