ظهور حكم ، وما وجد إلا الحق فعاد عليه ، فجاء العبد فدخل بين الإنية الإلهية والمؤثر فعمل فيه ، قال أبو يزيد لربه : يا رب بماذا أتقرب إليك؟ فقال : بما ليس لي ، فقال : يا ربّ وما ليس لك؟ فقال : الذلة والافتقار ، فعلم عند ذلك ما لإنّيّة الحق وما لإنية العبد ، وليست العناية من الله ببعض عباده إلا أن يشهده هذا المقام من نفسه ، فما يزيد على العالم كله إلا بالعلم به حالا وذوقا ، ولا يجني أحد ثمرة الإيثار مثل ما يجنيها صاحب هذا المقام ، فإن ثمرة الإيثار على قدر من تؤثره على نفسك ، والذي تؤثره على نفسك هنا إنما هو الحق ـ الوجه الثاني ـ النون الثانية نون الوقاية ، وهو تعالى الواقي ، فهو نون الوقاية ، وهو ضمير الياء ، فهذه إضافة الشيء إلى نفسه ، يروى أن موسى لما جاء من عند ربه كساه الله نورا على وجهه يعرف به صدق ما ادعاه ، فما رآه أحد إلا عمي من شدة نوره ، فكان يتبرقع حتى لا يتأذى الناظر إلى وجهه عند رؤيته.
(إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى (١٥) فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها مَنْ لا يُؤْمِنُ بِها وَاتَّبَعَ هَواهُ فَتَرْدى (١٦) وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى) (١٧)
السؤال عن الضروريات ما يكون من العالم بذلك إلا لمعنى غامض ، وهو في هذه المسئلة تعليم موسى خلع الصور من الجوهر وإلباسه صورا غيرها ، ليعلمه أن الأعيان ـ أعيان الصور ـ لا تنقلب ، فإنه يؤدي إلى انقلاب الحقائق ، وإنما الإدراكات تتعلق بالمدركات ، تلك المدركات لها صحيحة لا شك فيها ، فيتخيل من لا علم له بالحقائق أن الأعيان انقلبت ، وما انقلبت ، فقال تعالى لموسى عليهالسلام (وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى) فقال في تحقيق كونها عصا.
(قالَ هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى) (١٨)
كل ذلك من كونها عصا ، أرأيتم أنه أعلم الحق تعالى بما ليس معلوما عند الحق؟ وهذا جواب علم ضروري عن سؤال معلوم مدرك بالضرورة ، فقال له.
(قالَ أَلْقِها يا مُوسى) (١٩)
يعني من يدك ، مع تحققك أنها عصا.