طَغى (٤٣) فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى) (٤٤)
(فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً) هو عين المداراة ، لأنه ما يؤمر بلين المقال إلا من قوته أعظم من قوة من أرسل إليه وبطشه أشد ، فإنه يأتي باللين ما يأتي بالقهر والفظاظة ، ولا يأتي بالقهر ما يأتي باللين ، فإن القهر لا يأتي بالرحمة والمودة في قلب المقهور ، وباللين ينقضي المطلوب ، وتأتي المودة فتلقيها في قلب من استملته باللين ، وصاحب اللين لا يقاوم ، فإنه لا يقاوم لما يعطيه اللين من الحكم ، ولما علم الحق أنه قد طبع على كل قلب مظهر للجبروت والكبرياء ، وأنه في نفسه أذل الأذلاء ، أمر موسى وهارون عليهماالسلام أن يعاملا فرعون بالرحمة واللين ، لمناسبة باطنه واستنزال ظاهره من جبروته وكبريائه ، (لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ) ما نسي مما كان قد علم من امتناننا عليه ، ويتذكر بما يقابله من اللين والمسكنة ما هو عليه في باطنه ، ليكون الظاهر والباطن على السواء (أَوْ يَخْشى) أو يخاف مما يعرفه من أخذنا وبطشنا الشديد بمن قال مثل مقالته ممن تقدمه وحصل عنده العلم به ، فهذا جدل في الله ليّن مأمور به وتعطف ، ولعل كلمة ترجي ، والترجي من الله إذا ورد واقع بلا شك ، ولهذا قال العلماء : إن كلمة عسى من الله واجبة ؛ فعلم الله أنه يتذكر ، والتذكر لا يكون إلا عن علم سابق منسي ، فالترجي من الله واقع كما قالوا في عسى ، فإن لعل وعسى كلمتا ترج ، ولم يقل تعالى لموسى وهارون : لعله يتذكر أو يخشى في ذلك المجلس ولابد ؛ ولا خلّصه للاستقبال الأخراوي ، فإن الكل يخشونه في ذلك الموطن ، فجاء بفعل الحال الذي يدخله الاحتمال بين حال الدنيا وبين استقبال التأخير للدار الآخرة ، وذلك لا يكون مخلصا للمستقبل إلا بالسين أو سوف ، ولما كان لعل وعسى من الله واجبتين ، وقد ترجى من فرعون التذكّر والخشية ، فلابد أن يتذكر فرعون ذلك في نفسه وأن يخشى ، والذي ترجي من فرعون وقع ، لأن ترجيه تعالى واقع ، فإن تلك الخميرة ما زالت معه تعمل في باطنه ـ مع الترجي الإلهي الواجب وقوع المترجى ـ ويتقوى حكمها ، إلى حين انقطاع يأسه من أتباعه ، وحال الغرق بينه وبين أطماعه ، فلجأ إلى ما كان مستسرا في باطنه من الذلة والافتقار ، ليتحقق عند المؤمنين وقوع الرجاء الإلهي ، كما أخبر الله فقال (آمنت بالذي آمنت به بنوا إسرائيل وأنا من المسلمين) فأظهر حالة باطنه وما كان في قلبه من العلم الصحيح بالله ، فهذا يدلك