على قبول إيمانه ، لأنه لم ينص إلا على ترجي التذكر والخشية ، لا على الزمان ، إلا أنه في زمان الدعوة ، ووقع ذلك في زمان الدعوة في الحياة الدنيا ، ولكن لم يظهر من ذلك شيئا على ظاهره في المجلس ، وإن كان قد حكم التذكّر والخشية على باطنه ، فلم يبطش بموسى ولا بأخيه في المجلس ، فإنه صاحب السلطان والقهر في ذلك الوقت ، فما منعه إلا ما قام به من التذكّر والخشية من الحق ، وكان القول باللين من جنود الله ، قابل بها جنود باطن فرعون ، فهزمهم بإذن الله ، فتذكر وخشي لما انهزم جيشه الذي كان يتقوى به ، فذل في نفسه ، فشغلته تلك الذلة والمعرفة عن أن يحكم بقوة ظاهره فلم يبطش بهما في المجلس ، فإن موسى عليهالسلام ما قال (إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى) إلا لعدم التكافؤ في القوة الظاهرة ، فأمرهما الله تعالى أن يقولا له قولا لينا ـ والقول يقبل اللين والخشونة ـ ليقابل به غلظة فرعون ، فينكسر لعدم المقاوم ، إذ لم يجد قوة تصادم غلظته ، فعاد أثرها عليه فأهلكته بالغرق.
(قالا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى) (٤٥)
أرسل الله تعالى موسى عليهالسلام وأخاه هارون إلى فرعون وهو الذي فر منه موسى خوفا ، فكان خوفه عليهالسلام من السبب الموضوع ، فأرسله الحق إليه تنبيها أن الخوف يكون من الله ، إذ لا قدرة مؤثرة للممكن في إيصال خير أو شر إلى ممكن آخر ، وأن ذلك كله بيد الله ، فلما أمر هما بالذهاب إلى فرعون (قالا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى) فأظهرا أن الخوف من فرعون باق معهما ، وقولهما (أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا) أي يتقدم علينا بالحجة بما يرجع إليه من التوحيد (أَوْ أَنْ يَطْغى) أي يرتفع كلامه لكونه يقصد عين الحقيقة فنتعب معه ، أو يرتفع بالحجة إذ له الملك والسلطان ، فقال الله لهما :
(قالَ لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى) (٤٦)
(قالَ لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما) وهذه معية اختصاص لموسى وهارون عليهماالسلام ، فهذه بشرى لهما حتى لا يخافا ، فآمنهما الله مما خافا منه (أَسْمَعُ وَأَرى) من وجوه ـ الوجه الأول ـ أسمع دعاء كما فأجيبكما ، وأرى من كونه تعالى بصيرا بأمور عباده ، وهو البصر