الذي يعطي الأمان ، لا أنه يشهده ويراه فقط ، فإنه يراه حقيقة سواء نصره أو خذله أو اعتنى به أو أهمله ـ الوجه الثاني ـ أسمع من فرعون إذا بلغتما إليه رسالة ربكما ، وأرى ما يكون منكما في حقه مما أوصيتكما به من اللين والتنزل في الخطاب ـ الوجه الثالث ـ نبههما على أنه سمعهما وبصرهما ، تذكرة لهما أو إعلاما ، لم يتقدمه علم به عندهما ، فإنه قد صح عندنا في الخبر أن العبد إذا أحبه ربه كان سمعه وبصره الذي يسمع به ويبصر به ، والنبي أولى بهذا ممن ليس بنبي.
(فَأْتِياهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى (٤٧) إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنا أَنَّ الْعَذابَ عَلى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى) (٤٨)
فلم يجد فرعون على من يتكبر ، لأن التكبر من المتكبر إنما يقع لمن يظهر له بصفة الكبرياء ، فلما رأى ما عندهما من اللين في الخطاب رق لهما وسرت الرحمة الإلهية بالعناية الربانية في باطنه ، فعلم أن الذي أرسلا به هو الحق ، لذلك لما قالا له صلى الله عليهما ما قالاه على الوجه الذي عهد إليهما الله أن يقولاه.
(قالَ فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى) (٤٩)
لما سأل فرعون موسى وهارون عليهماالسلام هذا السؤال ، دلّ سؤاله أنه يريد أن يتنبه الحاضرون لما يقولانه مما يكون دليلا على وجود الله ، ليعلموا صدقهما ، لأن العاقل إذا علم أنهما إذا قالا مثل قولهما ربما أن الخواطر تتنبه ويدعوهم قولهما إلى النظر فيه ، لنصبهما في قولهما مواضع الدلالة على الله ، فإنه لا يسأل خصمه ، فدل سؤاله أنه يريد هداية من يفهم من قومه ما جاءا به ، فأجابا عليه بما يستحقه الرب وهي هذه الصفة.
(قالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى) (٥٠)