من شأنهم ، أو إذا أقبل الزعماء والأعبد عنده أن يخلوا لهم المجلس ، فأنزل الله هذه الآية غيرة لمقام العبودية والفقر أن يستهضم بصفة عز وتأله ظهر في غير محله ، فإن الله يغار لعبده المنكسر الفقير أشد مما يغار لنفسه ، وهو من أعظم دليل على شرف العبودة والإقامة عليها ، فأمر الله تعالى رسوله صلىاللهعليهوسلم بقوله (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ) أن يحبس نفسه مع الأعبد والفقراء من المؤمنين مثل خباب بن الأرت وبلال وابن أم مكتوم وغيرهم ، فكان صلىاللهعليهوسلم إذا رأى هؤلاء الأعبد وأمثالهم أو جالسهم يقول [مرحبا بمن عاتبني فيهم ربي] فكلما جلسوا عنده جلس لجلوسهم ، لا يمكن له أن يقوم ولا ينصرف حتى يكونوا هم الذين ينصرفون ، وكان صلىاللهعليهوسلم يقول : [إن الله أمرني أن أحبس نفسي معهم] فكانوا إذا أطالوا الجلوس معه يشير إليهم بعض الصحابة مثل أبي بكر وغيره أن يقوموا حتى يتسرح رسول الله صلىاللهعليهوسلم لبعض شؤونه ، ولما علموا ذلك منه وأنه عليهالسلام قد تعرض له أمور يحتاج إلى التصرف فيها ، فكانوا يخففون فلا يلبثون عنده إلا قليلا ، وينصرفون حتى ينصرف النبي صلىاللهعليهوسلم لأشغاله ، وأبان الحق لرسوله صلىاللهعليهوسلم بهذه الآية أن مقام العبودة هو الذي تدعو له الناس ، فإن جميع النفوس يكبر عندهم رب الجاه ورب المال ، لأن العزة والغنى لله تعالى ، فحيثما تجلت هذه الصفة تواضع الناس وافتقروا إليها ، ولا يفرقون بين ما هو عز وغنى ذاتي وبين ما هو منهما عرضي إلا بمجرد مشاهدة هذه الصفة ، فإذا حضر ملك مطاع نافذ الأمر وقد جاءك مع عظم مرتبته زائرا ، وجاءك فقير ضعيف في ذلك الوقت زائرا أيضا فليكن قبولك على الفقير وشغلك به إلى أن يفرغ من شأنه الذي جاء إليه ، فما عتب الله نبيه سدى ، بل أبان والله في ذلك عن أرفع طريق الهدى ، وزجر عن طريق الردى ، فقال (كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى) ردعا وزجرا لحالة تحجبك ، فإن عزة الإيمان أعلى ، وعزة الفقر أولى ، فليكن شأنك تعظيم المؤمن الفقير على المؤمن الغني بماله ، العزيز بجاهه ، المحجوب عن نفسه ، فإن الفقير المؤمن هو مجلى حقيقتك (يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله) وأنت مأمور بمشاهدة نفسك حذر الخروج عن طريقها ، فالمؤمن الفقير مرآتك ترى فيه نفسك ، والمؤمن الغني بالمال عنك هو مرآة لك صدئت فلا ترى نفسك فيها ، فلا تعرف ما طرأ على وجهك من التغيير. واعلم أن لله عبادا كانت أحوالهم وأفعالهم ذكرا يتقرب به إلى الله ، وينتج من العلم بالله ما لا يعلمه إلا من ذاقه ، فإن كل ما أمر الله به نبيه صلىاللهعليهوسلم ونهاه عنه كان عين أحوالهم