ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون] كل إنسان ما عدا هؤلاء مستعد بإنسانيته لقبول ما يكون له به هذا الكمال ، فبالأهلية هو محتاج إليه ، وللحرمان وجد السؤال ، فالكامل من علم ما يستحقه العالم منه ، فوفاه حقه ، فأعطى كل ذي حق حقه ، كما أن الله أعطى كل شيء خلقه ، من اسمه الحكيم ، فإن الذي انفرد به الحق إنما هو الخلق ، والذي انفرد به العالم الكامل إنما هو الحق ، فيعلم ما يستحقه كل موجود فيعطيه حقه ، وهو المسمى بالإنصاف ، فمن أعطيته حقه فقد أنصفته ، فإن تغاليت فما كملت وأنت ناقص ، فإن الزيادة في الحد نقص في المحدود ، فلا يتعدى الكامل بالشيء رتبته ، فإن الله لما أعطى كل شيء خلقه أمر عبده أن يعطي كل شيء حقه ، وهو قولنا فيما تقدم : إن أداء الحقوق نعت إلهي طولب به الكون ، فإذا أقامه الحق تعالى في فعل من أفعاله المأمور بها أو المحجور عليه فيها ، نظر ما لها من الحق قبله ، فوفّى ذلك الفعل حقه ، فإذا كان من الأمور المأمور بفعلها أعطاها حقها في نشأتها حتى تقوم سوية الخلق معدلة النشء ، فلم يتوجه لذلك الفعل حق على فاعله ، فلله الخلق وللعبد الحق فالحق أعطى كل شيء خلقه ، والخلق أعطى كل شيء حقه ، وإن كان من الأمور المنهي عنها فحقها على هذا العبد أنه لا يوجدها ولا يظهر لها عينا أصلا ، فإن لم يفعل فما وفّاها حقها ، وتوجهت عليه المطالبة لها ، فلم يعط كل شيء حقه فكان محجوجا ـ مسئلة ـ من هذه الآية ، يعرف ما تخبط فيه الناس من تفضيل الفقر على الغنى والغنى على الفقر ، والخوض في هذه المسئلة من الفضول الذي في العالم والجهل القائم به ، فإن الحالات تختلف والمنازل تختلف ، وكل حالة كمالها في وجود عينها ، فإن الله يقول (أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ) فما تركت هذه الآية لأحد طريقا إلى الخوض في الفضول لمن فهمها وتحقق بها ، غير أن الفضول أيضا من خلق الله ، فقد أعطى الله الفضول خلقه ، ثم هدى أي بين أن من قام به الفضول فهو المعبر عنه بالمشتغل بما لا يعنيه وجهله بالأمر الذي يعنيه ، والفقر في عينه كامل الخلق لا قدم له في الغنى ، والغنى في حاله كامل الخلق لا قدم له في الفقر ، ولو تداخلت الأمور لكان الفقر عين الغنى والغنى عين الفقر ، إذ كان كل واحد منهما من مقومات صاحبه ، والضد لا يكون عين الضد ، وإن اجتمعا في أمر ما ، فلا يجتمع الغنى والفقر أبدا ، فليس للفقر منزلة عند الله في وجوده ، وليس للغنى منزلة عند العبد في وجوده ، فكما لا يقال : الله أفضل من الخلق أو الخلق