لأن الله تعالى قال (لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ) ثم زادا في الدلالة بما قالا بعد ذلك إلى تمام الآية ، فما زال ذلك العلم مضمرا في نفس فرعون ، لم يعطه حب الرياسة أن يكذّب نفسه عند قومه فيما استخفهم به حتى أطاعوه ، فكانوا قوما فاسقين ، فما شركه الله معهم في ضمير (إنهم) فلما رأى البأس قال : آمنت ، فتلفظ باعتقاده الذي ما زال معه ، فقال له الله تعالى (آلآن) قلت ذلك ، فأثبت الله بقوله (آلآن) أنه آمن عن علم محقق والله أعلم ، وإن كان الأمر فيه احتمال ، وحقت الكلمة من الله وجرت سنته في عباده ، أن الإيمان في ذلك الوقت لا يدفع عن المؤمن العذاب الذي أنزله بهم في ذلك الوقت ، إلا قوم يونس ، كما لا ينفع السارق توبته عند الحاكم فيرفع عنه حد القطع ، ولا الزاني مع توبته عند الحاكم ، مع علمنا بأنه تاب بقبول التوبة عند الله ، وحديث ما عز في ذلك صحيح أنه تاب توبة لو قسمت على أهل المدينة لوسعتهم ، ومع هذا لم تدفع عنه الحدّ ، بل أمر صلىاللهعليهوسلم برجمه ، وكذلك كل من آمن عند رؤية البأس من الكفار أن الإيمان لا يرفع نزول البأس بهم ، مع قبول الله إيمانهم في الدار الآخرة ، فيلقونه ولا ذنب لهم ، فربما لو عاشوا بعد ذلك اكتسبوا أوزارا ، أما قول موسى عليهالسلام (عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ) فما كتبها في اللوح المحفوظ إلا ليعلم من ليس من شأنه أن لا يعلم إلا بإعلام ، لا ليتذكر ما أوجبه على نفسه مما تستقبل أوقاته في المدد الطائلة ، فإنه سبحانه (لا يَضِلُّ رَبِّي) الذي جئتك من عنده لأدعوك إلى عبادته (وَلا يَنْسى) يعني ما أوجبه على نفسه من ذلك ، ثم زادا في الدلالة.
(الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَسَلَكَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى) (٥٣)
خلق الله تعالى الإنسان من تراب الأرض وجعلها محلا للخلافة ، فهي دار ملكه وموضع نائبه الظاهر بأحكام أسمائه ، فمنها خلقنا وفيها أسكننا أحياء وأمواتا.
(كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى) (٥٤)
(كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ) أعلم أنه ما من نبات إلا وهو دواء وداء ، أي فيه منفعة ومضرة