(وَلَقَدْ أَرَيْناهُ آياتِنا كُلَّها فَكَذَّبَ وَأَبى (٥٦) قالَ أَجِئْتَنا لِتُخْرِجَنا مِنْ أَرْضِنا بِسِحْرِكَ يا مُوسى (٥٧) فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكاناً سُوىً (٥٨) قالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى (٥٩) فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتى (٦٠) قالَ لَهُمْ مُوسى وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ وَقَدْ خابَ مَنِ افْتَرى (٦١) فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوى (٦٢) قالُوا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ يُرِيدانِ أَنْ يُخْرِجاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِما وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى (٦٣) فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلى (٦٤) قالُوا يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى (٦٥) قالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذا حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى) (٦٦)
اعلم أن من خرق العوائد قسما منها يرجع إلى ما يدركه البصر أو بعض القوى ، على حسب ما يظهر لتلك القوة مما ارتبطت في العادة بإدراكه ، وهو في نفسه على غير ما أدركته تلك القوة ، وهذا القسم داخل تحت قدرة البشر ، ومنه ما يرجع إلى خواص أسماء ، إذا تلفظ بتلك الأسماء ظهرت تلك الصور في عين الرائي أو في سمعه خيالا ، وما ثمّ في نفس الأمر أعني في المحسوس شيء من صورة مرئية ولا مسموعة ، وهو فعل الساحر ، وهو على علم أنه ما شيء مما وقع في الأعين والأسماع ، وللأسماء سلطان على خيال الحاضرين ، فتخطف أبصار الناظرين ، فيرى صورا في خياله كما يرى النائم في نومه ، وما ثم في الخارج شيء مما يدركه ، لذا قال تعالى (يُخَيَّلُ إِلَيْهِ) يعني إلى موسى ، فإن موطن الخيال يعطي في أعين الناظرين حياة الجمادات وحركتها ، وهي في نفسها ليست بتلك الحياة التي تدركها