الأبصار ، كحبال سحرة موسى عليهالسلام وعصيهم ، يخيل إلى موسى (مِنْ سِحْرِهِمْ) الذي سحروا به أعين الناس وعلمهم بما فعلوه ، والسحر مأخوذ من السحر ، وهو اختلاط الضوء والظلمة ، فالسحر له وجه إلى الظلمة وليس ظلاما خالصا ، وله وجه إلى الضوء وليس ضوءا خالصا ، كذلك السحر له وجه إلى الحق وهو ما ظهر إلى بصر الناظر أنه حق ، وله وجه إلى الباطل لأنه ليس الأمر في نفسه على ما أدركه البصر ، فلهذا سمته العرب سحرا ، وسمي العامل به ساحرا ، لا العالم به (أَنَّها تَسْعى) وليست بساعية في نفس الأمر ، أقاموا ذلك في حضرة الخيال المنفصل أمام الجميع ، فرأوا العصي والحبال في صورة الحيات ، وكذلك أدركها موسى مخيلة ولا يعرف أنها مخيلة ، بل ظن أنها مثل عصاه في الحكم ، فهي ساعية في نظر موسى ونظر الحاضرين ، إلا السحرة فإنهم يرونها حبالا ، والغريب لو ورد لرآها كما يراها السحرة ، فكان فعل السحرة عن حكم أسماء كانت عندهم ، لها في عيون الناظرين خاصية النظر إلى ما يريد الساحر إظهاره ، فله بتلك الأسماء قلب النظر لا قلب المنظور فيه ، وهذا بخلاف عصا موسى عليهالسلام حين ألقاها عن الأمر الإلهي ، فانقلب المنظور فيه فتبعه النظر ، فتلك حبال نشأت بين الخيال وبين أعين الناظرين أنها تسعى ، وهي أجسام في عينها لا حكم لها في السعي ، فظهرت في عين موسى بصورة الجسم الذي له سعي ، والأمر في نفسه ليس كذلك ، وامتلأ الوادي من حبالهم وعصيهم ، ورآها موسى فيما خيّل له حيات تسعى ، فلهذا خاف موسى عليهالسلام.
(فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى) (٦٧)
لم يكن نسبة الخوف إلى موسى عليهالسلام في هذا الوقت نسبة الخوف الأول ، فإن الخوف الأول لما ألقى موسى عصاه فكانت حية تسعى ، خاف منها على نفسه على مجرى العادة ، فولى مدبرا ولم يعقب ، حتى أخبره الله تعالى ، وكان خوفه الثاني الذي ظهر منه للسحرة عند ما ألقت السحرة الحبال والعصي فصارت حيات في أبصار الحاضرين ، كان هذا الخوف الآخر على الحاضرين من الأمة ، لئلا تظهر عليه السحرة بالحجة فيلتبس الأمر على الناس ، فلا يفرقون بين الخيال والحقيقة ، أو ما بين ما هو من عند الله وبين ما ليس من عند الله ، فاختلف تعلق الخوفين ، فإنه عليهالسلام على بينة من ربه ، قوي الجأش بما