تقدم له في الإلقاء الأول (خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى) أي ترجع عصا كما كانت في عينك ، فلما خاف موسى عليهالسلام على الأمة قال الله له :
(قُلْنا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى) (٦٨)
لما ادعى فرعون الفوقية اللائقة بالربوبية ، وهي الفوقية الحقيقية في قوله (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى) كذبه الله تعالى بقوله تعالى لموسى صلىاللهعليهوسلم (لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى) لما ظهر للسحرة خوف موسى مما رآه ، وما علموا متعلق هذا الخوف أي شيء هو؟ علموا أنه ليس عند موسى من علم السحر شيء فإن الساحر لا يخاف مما يفعله ، لعلمه أنه لا حقيقة له من خارج ، وأنه ليس كما يظهر لأعين الناظرين ، فأمر الله موسى أن يلقي عصاه وأخبر أنها تلقف ما صنعوا ، فقال تعالى :
(وَأَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ ما صَنَعُوا إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى) (٦٩)
فلما ألقى موسى عصاه فكانت حية ، تلقفت تلك الحية جميع ما كان في الوادي من الحبال والعصي ، أي تلقفت صور الحيات منها المتخيلة في عيون الحاضرين ، فأبصرت السحرة والناس حبال السحرة وعصيهم التي ألقوها حبالا وعصيا كما هي ، وأخذ الله بأبصارهم عن ذلك ، فهذا كان تلقفها ، لا أنها انعدمت الحبال والعصي ، إذ لو انعدمت لدخل عليهم التلبيس في عصا موسى ، وكانت الشبهة تدخل عليهم ، فإن الله يقول (تَلْقَفْ ما صَنَعُوا) وما صنعوا الحبال ولا العصي ، وإنما صنعوا في أعين الناس صور الحيات ، وهي التي تلقفت عصا موسى ، وما قال تعالى : تلقف حبالهم وعصيهم (إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ) أي فعلوا ما يقارب الحق ، فإن الكيد من كاد ، وكاد من أفعال المقاربة ، أي فعلوا ما يقارب الحق في الصورة الظاهرة للبصر (وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى) فكانت الآية عند السحرة خوف موسى وأخذ صور الحيات من الحبال والعصي ، فكان ظهور حجته على حجتهم أن بقيت حبالهم وعصيهم في صور حبال وعصي ، فلما رأى الناس الحبال حبالا ، علموا أنها