لما علمت السحرة أن الذي جاء به موسى من عند الله آمنوا بما جاء به موسى عن آخرهم ، وخروا سجدا عند هذه الآية قيل : كانوا ثمانين ألف ساحر ، آمنوا واختاروا عذاب فرعون على عذاب الله ، وآثروا الآخرة على الدنيا ، وعلموا من علمهم بذلك أن الله على كل شيء قدير ، وقالت السحرة (آمَنَّا بِرَبِّ هارُونَ وَمُوسى) قالت ذلك لرفع اللبس من أذهان السامعين (راجع سورة الشعراء آية ٤٧) ولهذا توعدهم فرعون بقوله :
(قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً وَأَبْقى (٧١) قالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلى ما جاءَنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالَّذِي فَطَرَنا فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا (٧٢) فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ) فالدولة لك.
(إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنا لِيَغْفِرَ لَنا خَطايانا وَما أَكْرَهْتَنا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللهُ خَيْرٌ وَأَبْقى) (٧٣)
(وَاللهُ خَيْرٌ وَأَبْقى) وإلى هذا مال العارف ، أما الزاهد في الدنيا فميله إلى (وما عند الله خير وأبقى) فالزاهد صيد الحق من الدنيا ، والعارف صيد الحق من الآخرة ، فالله خير وأبقى ممن هو عنده ، وما عند الله إلا العالم ، فالله خير وأبقى ، لأن بقاء العالم إذا وصف بالوجود بإبقائه ، والحق لو لا بقاء عينه ما كان للمكن حكم فيما يظهر ، فإن بقاء الحق بنفسه وبقاء العالم بإبقاء الحق تعالى.
(إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى) (٧٤)
إن الحقائق تعطي أن المآل إلى الرحمة في الدار الآخرة ، فيرحم الله معنى وحسا ، فثمّ