من تكون الرحمة به عين العافية لا غير وارتفاع الآلام ، وهذا مخصوص بأهل النار الذين هم أهلها ، فهم لا يموتون فيها ، لما حصل لهم فيها من العافية بزوال الآلام ، فاستعذبوا ذلك ، فهم أصحاب عذاب لا أصحاب ألم ، ولا يحيون أي ما لهم نعيم كنعيم أهل الجنان الذي هو أمر زائد على كونهم عافاهم الله من دار الشقاء.
(وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحاتِ فَأُولئِكَ لَهُمُ الدَّرَجاتُ الْعُلى) (٧٥)
في الجنة يذهب الله عن المؤمن الحسرة التي كان يجدها في الدنيا لما يفوته هنا وفي القيامة ، ولكن يعلم من هو أعلى منه ، قدر ما فاته من العلم والعمل الصالح ، ويرزق القناعة بحاله وما هو فيه والرضا ، فلا أدنى همة ممن يعلم أن هناك مثل هذا ولا يرغب في تحصيل العالي من الدرجات ، هذا رسول الله صلىاللهعليهوسلم قد سأل أمته أن يسألوا الله له في الوسيلة طلبا للأعلى لعلو همته ، وإن علم المحروم في الجنة ما فاته فلا يكترث له لعدم ذوقه ، وكل من تعلقت همته في الدنيا بطلب الأعلى ولم يحصل ذلك ذوقا في الدنيا ولا كشف له فيه ، فإنه يوم القيامة يناله ولابد ، ويكون فيه كالذائق له هنا لا فرق ، وما بين الشخصين إلا ما عجّل له هنا من ذلك ، فالمحروم كل المحروم من لا يعلق همته هنا بتحصيل المعالي من الأمور ، ولكن لابد مع التمني من بذل المجهود ، وأما إن تمنى مع الكسل والتثبط فما هو ذلك الذي أشرنا إليه.
(جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ مَنْ تَزَكَّى (٧٦) وَلَقَدْ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لا تَخافُ دَرَكاً وَلا تَخْشى) (٧٧)
فلما رال البحر بعضه عن بعض وافترق فظهر الأرض وسكن البحر ، غرّ ذلك فرعون قال تعالى :
(فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ) (٧٨)