إليه مستعدا لما يلقى إليه ، ولولاه ما كان القبول ، وليس الاستعداد في القبول ، وإنما ذلك اختصاص إلهي ، يقول صلىاللهعليهوسلم فيمن حفظ القرآن : [إن النبوة قد أدرجت بين جنبيه] وهو من استظهر القرآن ، فله ذوق الإنزال على قلبه من تنزل الروح به وهو استظهار القرآن ، أي أخذه عن ظهر ، فهذا التنزل مستمر فيمن شاء الله من عباده ، وهو تنزل القرآن على قلوب الأولياء ، ما انقطع مع كونه محفوظا لهم ولكن لهم ذوق الإنزال.
(يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ) (١٦)
لأنه لم يبق مدع ـ كان يدعي الألوهية ـ موجودا ، فإنه تعالى لم يجعل سبيلا إلى رؤيته في هذه الدار لحصول دعاوى الكون في المرتبة الإلهية ، وبظهوره تعالى في الآخرة لا يجرأ أحد يدعيها ، فإن في الدار الآخرة يظهر حكم الجبر فلا يبقى منازع هناك أصلا ويكون الملك هناك لله الواحد القهار ، وتذهب الدعاوى من أربابها.
(الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (١٧) وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ (١٨) يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) (١٩)
أي يعلم أنها خيانة وكيف هي خيانة ، ولم يقل : يعلم ما أشارت به الأعين وما أومأت ، فإن المشار إليه يعلم ذلك فلا يكن مدحا ، ولكن لا يعلم كل أحد أنها خيانة إلا من أعلمه الله بذلك ، فهي في الخير خيانة محمودة ، وفي الشر خيانة مذمومة ، وما زالت عن كونها خيانة في الحالين ، وخائنة الأعين لا يسلم منها ، وغاية أن يسلم منها من سلم في الشر ، وأما في الخير فإنهم ربما اتخذوها في الخير طريقا محمودة ، فيومىء الكبير في حق الحاضر إلى بعض من يمتثل أمره أن يجيء إليه بخلعة أو بمال يهبه لذلك الحاضر ، يكون ذلك إيماء بالعين لا تصريحا باللفظ ، من غير شعور من يومىء في حقه بذلك الخير ، وإنما سميت خائنة عين