(يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ (٦٨) الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ (٦٩) ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ (٧٠) يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (٧١)
شهوة الجنة يقع لها اللذة بالمحسوس وبالمعقول على صورة ما يقع بالمحسوس ، من وجود الأثر البرزخي عند نيل المشتهى المعقول سواء ، وهذه الشهوة تكون في الجنة لكل أحد من أهل الجنة ، وفي الدنيا لا تقع إلا لآحاد من العارفين ، وأما الشهوة في الدنيا فلا تقع لها لذة إلا بالمحسوس الكائن ، والدار الآخرة تقتضي تكوين العالم عن العالم حسا وبمجرد حصول الخاطر ، والهمّ والإرادة والتمني والشهوة ، كل ذلك محسوس ، فلا تزال الآخرة دائمة التكوين عن العالم ، فإنهم يقولون في الجنان للشيء ، يريدونه كن فيكون ، فلا يتوهمون أمرا ما ، ولا يخطر لهم خاطر في تكوين أمر ما إلا ويتكون بين أيديهم ، وهذا في الدار الآخرة للجميع وليس ذلك إلا نيل الأغراض ، وهو الفعل بالهمة لكل أحد ، وهذا في الدار الدنيا نادر شاذ ، فإن قلت : فهل في نكاح الجنة نتاج؟ قلنا : نعم ، فإن في الإنتاج عين الكمال ، فإن فيه نتاج ولابد ، وولادته نفس يخرج من الزوجة عند الفراغ من الجماع ، فإن الإنزال ريح كما هو في الدنيا ماء ، فيخرج ذلك الريح بصورة ما وقع عليه الاجتماع بين الزوجين ، فمن أهل الجنة من يشاهد ذلك ومنهم من يغيب عنه ، فإن الأمر شهادة وغيب ، شهادة في حق من شهده ، وغيب في حق من غاب عنه ، والحكم في الجنة أن نفس حصول الشهوة نفس حصول المشتهى ، بحيث لو تأخرت عنه إلى الزمان الثاني الذي يلي زمان حصول الشهوة ، لكان ذا ألم لفقد المشتهى زمان الشهوة كالدنيا ، فإنه لابد أن يتأخر حصول المشتهى عن زمان الشهوة فلابد من الألم ، فإذا حصل المشتهى فأعظم الالتذاذ به اندفاع ذلك الألم ـ تحقيق ـ راجع البقرة آية رقم ٢٩ ـ.
(وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (٧٢) راجع الأعراف آية ٤٣.