لْحَمِيمِ (٤٨) ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ) (٤٩)
(الْعَزِيزُ) أي إنك المنيع الحمى في وقتك (الْكَرِيمُ) على أهلك وفي قومك ، فما هي سخرية به ، فإنه كذلك كان في قومه يدعى بهذا الاسم ، وهي سخرية به لأنه خاطبه بذلك في حالة ذله وإباحة حماه وانتهاك حرمته ، فدعاه الحق به هنا سخرية به على جهة الذم ، فإنه تغرّب عن موطنه الذي ربّي فيه وولد فيه ، وهو موطن العبودية ، ومن اغترب عن موطنه حرم عليه الاتصاف بالأسماء الإلهية في حال غربته ، كما قال تعالى : (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ) كما كان عند نفسه في زعمه ، فإنه تغرّب عن موطنه ، فهو صاحب دعوى ، فلا أذل في الآخرة ممن بلغ في الدنيا غاية العزة في نفسه ، ولو كان مصفوعا في الدنيا ، ولا أريد بعز الدنيا أن يكون فيها ملكا ، إلا أن يكون صفته في نفسه العزة ، وكذلك الذلة فإنه لا أعز في الآخرة ممن بلغ في الدنيا غاية الذل في جناب الحق ، وأما أن يكون في ظاهر الأمر ملكا أو غير ذلك ، فما نبالي في أي مقام وفي أي حال أقام الحق عبده في ظاهره ، وإنما المعتبر في ذلك حاله في نفسه ، قال تعالى في الحديث القدسي : [الكبرياء ردائي والعظمة إزاري من نازعني واحدا منهما قصمته] فلو كانت الكبرياء والجبروت والعزة والعظمة التي يدعيها العزيز الجبار العظيم المتكبر من العباد صفة لهم ، ما ذمهم ولا أخذهم أخذة رابية.
(إِنَّ هَذَا مَا كُنتُم بِهِ تَمْتَرُونَ (٥٠) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ (٥١) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٥٢) يَلْبَسُونَ مِن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَقَابِلِينَ (٥٣) كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ) (٥٤)
لما كان المقصود بالنكاح الالتذاذ ، وكان لحصول اللذة بالجماع معنى لا يحصل إلا بالجماع ، زوجنا الله بالحور العين ، فإن قلت : فهل في نكاح الجنة توالد أم لا؟ قلنا : إن التوالد في الآخرة في هذا النوع الإنساني باق في المثل ، في نكاح الرجل المرأة الآدمية الإنسانية ، والتوالد أيضا بين جنسين مختلفين ، وهم بنو آدم والحور ، اللاتي أنشأهن الله في الجنان على صورة الإنسان ولسن بأناسي ، فتوالدهما بنكاح بينهما في الإن س والحور ،