ويتناكحان في الزمن الفرد ، ينكح الرجل إذا أراد جميع من عنده من النساء والحور من غير تقدم ولا تأخر ، مثل فاكهة الجنة لا مقطوعة ولا ممنوعة ، بل بقطف دان من غير فقد ، مع وجود أكل وطيب مطعم ، فإذا أفضى الرجل إلى الحوراء أو الإنسية ، له في كل دفعة شهوة ولذة لا يقدر قدرها ، لو وجدها في الدنيا غشي عليه من شدة حلاوتها ، فتكون منه في كل دفعة ريح مثيرة تخرج من ذكره ، فيتلقاها الرحم ـ رحم المرأة ـ فيتكون من حينه فيها ولد في كل دفعة ، ويكمل نشوءه ما بين الدفعتين ، ويخرج مولودا مصورا مع النفس الخارج من المرأة روحا مجردا طبيعيا ، فهذا هو التوالد الروحاني في البشري بين الجنسين المختلفين والمتماثلين ، فلا يزال الأمر كذلك دائما أبدا ، ويشاهد الأبوان ما تولد عنهما من ذلك النكاح ، ولا حظ لهؤلاء الأولاد في النعيم المحسوس ، ولا بلغوا مقام النعيم المعنوي ، فنعيمهم برزخي كنعيم صاحب الرؤيا بما يراه في حال نومه ، وذلك لما يقتضيه النشء الطبيعي ، فلا يزال النوع الإنساني يتوالد ، ولكن حكمه ما ذكرناه ، إلا أن الأنفاس التي تظهر من تنفس الحوراء أو الآدمية إذا كانت صورة ما ظهرت فيه من نفس النكاح ، يخرج مخالفا للنفس الذي لا صورة فيه ، يميزه أهل الكشف ، ولا يدرك ذلك في الآخرة إلا أهل الكشف في الدنيا ، وصورة هذا النشء المتولد عن هذا النكاح في الجنة ، صورة نشء الملائكة أو الصور من أنفاس الذاكرين لله ، وما يخلق الله من صور الأعمال ، وقد صحت بذلك الأخبار عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
(يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ (٥٥) لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ) (٥٦)
(لا يَذُوقُونَ فِيهَا) يعني في الجنة (الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى) فأفردها ، ويريد : في الأولى ، التي هي الدار الدنيا ، فحذف حرف الجر ، وهذه الآية ليست بنص في عدم الموت الحقيقي لكل حي يحيى في الدنيا بعد موته قبل حياة البعث ، ولكن يتقوى بها وجه التأويل في أنه موت غشي وصعق (وَوَقاهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ) ـ إشارة ـ قال صلىاللهعليهوسلم : [من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه] وقد علمنا أن لقاء الله لا يكون