(وَسَخَّرَ لَكُمْ) أي من أجلكم (ما فِي السَّماواتِ) من ملك وكوكب سابح في فلك (وَما فِي الْأَرْضِ) وما فيهما من الخلق فدخل الحيوان في ذلك (جَمِيعاً مِنْهُ) لما كان المقصود من العالم الإنسان الكامل ، كان من العالم أيضا الإنسان الحيوان المشبه بالكامل في النشأة الطبيعية ، فقال تعالى : (وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ) أي من أجل الإنسان الكامل الخليفة في الأرض ، فشغل الملأ الأعلى به سماء وأرضا ، وأمر سبحانه وتعالى من في السموات والأرض بالنظر فيما يستحقه هذا الخليفة النائب ، فسخر له جميع من في السموات والأرض ، حتى المقول عليه الإنسان من حيث تماميته لا من حيث كماليته ، فهذا النوع المشارك له في الاسم إذا لم يكمل هو من جملة المسخرين لمن كمل ، فلا أفقر من الإنسان الكامل إلى العالم ، لأنه يشهده مسخّرا له ، فعلم أنه لو لا ما هو عليه من الحاجة إلى ما سخّروا فيه من أجله ما سخروا ، فيعرف نفسه أنه أحوج إلى العالم من العالم إليه ، ومن هنا يعلم أن الله خلق الخلق للخلق لا لنفسه ، فإن المنافع إنما تعود من الخلق على الخلق ، والله هو النافع الموجد للمنافع ، وأما خلقنا له فهو خلقنا لنعبده ، فمعناه لنعلم أنا عبيد له ، فإنا في حال عدمنا لا نعلم ذلك ، لأنه ما ثمّ وجود يعلم (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) ليعلموا ما مراد الله من ذلك ، واعلم أن الوضع والتركيب ليس العلم به من حظ الفكر ، بل هو موقوف على خبر الفاعل لها والمنشىء لصورها ، ومتعلق علم العقل من طريق الفكر إمكان ذلك خاصة لا ترتيبه ، فإن العقول عاجزة وقاصرة عن معرفة ما خلق الله من أجرام العالم وأرواحه ولطائفه وكثائفه ـ نصيحة ـ لا يغرنك يا ولي قوله تعالى (وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ) فإنه لم يقل إنه فعل ذلك ليسعدكم ولا أيضا ليشقيكم ، فبقيت على قدم الحذر والغرور واقفا ، فتحفظ فإنها آية فتنة يضل بها من يشاء ويهدي بها من يشاء ، فإن الحقائق التي أنشئت عليها علوا وسفلا ليست برفعة إلهية ، وإنما هي رفعة تعطيها الحقائق ، لا تعصم من نار ولا تدخل نعيما ، ولا يدخل بها أهل الجنة في جنتهم ولا أهل النار في نارهم ، فلا فائدة فيها ولا سلطان لها على السعادة ، وبها زلّت أقدام من خرجوا عن الشريعة.
(قُل لِّلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُون أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِما كَانُوا