الطائفة الأخرى فادعيت فيها الألوهة ولم تدعها لنفسها ، كالأحجار والنبات والحيوان وبعض الأناسي والأملاك والكواكب والأنوار والجن ، وجميع من عبد واتخذ إلها من غير دعوى منه ، فهؤلاء كلهم سعداء ، والذين اتخذوهم إذا ماتوا على ذلك أشقياء ، فإنه لما اتخذ هذا المشرك هواه إلها حكم عليه وأضله عن سبيل الله ، وأما قوله : (وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلْمٍ) ـ الوجه الأول ـ يعني من أنه أضله الله على علم ، لا أن الضال على علم ، فإن الضال هو الحائر الذي لا يعرف في أي جهة مطلوبه ، فمتعلق (عَلى عِلْمٍ) أضله ، وهو العامل فيه ، وهو فعل الله تعالى ـ الوجه الثاني ـ (وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلْمٍ) هو التارك ما أمره الله به عمدا ، مثل من يقول إن الحركات والسكنات كلها بيد الله ، وما جعل في نفسي أداء ما أمرني بأدائه ، فهو على بصيرة تشقيه وتحول بينه وبين سعادته ، فتضره في الآخرة وإن التذ بها في الدنيا ، فهي مجاهرة بحق لا تنفع ، ولو كان عن ذوق ، منعته هيبة الجلال وعظيم المقام وسلطان الحال أن يترك أداء حق الله على صحو ، فمثل هذا العلم لا ينفع ـ الوجه الثالث ـ هذه الآية تدل على أن نور العلم غير نور الإيمان ، فقوله تعالى : (وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلْمٍ) فذلك نور العلم به لا نور الإيمان.
(وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ) (٢٤)
(وَقالُوا ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا) أي نحيا فيها ثم نموت ، فجهلوا في قولهم هذا ، ثم قالوا (وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ) فصدقوا ، فإن الدهر هو الله ، وجهلوا في اعتقادهم ، لأنهم ما أرادوا إلا الزمان بقولهم الدهر ، فأصابوا في إطلاق الاسم وأخطأوا في المعنى ، وهم ما أرادوا إلا المهلك ، فوافقوا الاسم المشروع ، ولم يقولوا الزمان ، أو ربما لو قالوا الزمان لسمى الله نفسه بالزمان كما سمى نفسه بالدهر ، فإنه قد ثبت عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : [لا تسبوا الدهر فإنه الله هو الدهر] فجعل الدهر هوية الله ، وما أوحى الله بذلك إلى نبيه ولا جاء به سدى ، بل جاء به رحمة لعباده ، فإن الدهر عند القائلين به ما هو محسوس عندهم ، وإنما هو أمر متوهم ، صورته في العالم وجود الليل والنهار ، عن حركة كوكب