هكذا أخبر الحق عن الجن في سماعهم القرآن أنهم قالوا : (أَنْصِتُوا) وقال في حق الإنس آمرا (وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا) فإن الاسم اللطيف أورث الجن الاستتار عن أعين الناس فلا تدركهم الأبصار إلا إذا تجسدوا ، وجعل سماعهم القرآن إذا تلي عليهم أحسن من سماع الإنس.
(قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ) (٣٠)
اعلم أن الأرواح والجن استماعهم لكلام الله أوثق وأحسن من الإنس للمشاركة في سرعة التنوع والتقلب من حال إلى حال ، وهو من صفات الكلام ، فهم بالصفة إليه أقرب مناسبة وأعلم بكلام الله منا ، وكذا قال النبي صلىاللهعليهوسلم لأصحابه عن الجن لما تلا عليهم سورة الرحمن ، ألا ترى الجن لما منعوا السمع وحيل بينهم وبين السماء بالرجوم ، قالوا : ما هذا إلا لأمر حدث ، فأمر زوبعة أصحابه وغيره أن يجولوا مشارق الأرض ومغاربها ، لينظروا ما هذا الأمر الذي حدث وأحدث منعهم من الوصول إلى السماء ، فلما وصل أصحاب زوبعة إلى تهامة مروا بنخلة ، فوجدوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم يصلي صلاة الفجر وهو يقرأ ، فلما سمعوا القرآن أصغوا إليه وقالوا : هذا الذي حال بيننا وبين خبر السماء ؛ فلو لا معرفتهم برتبة القرآن وعظم قدره ما تفطنوا لذلك ، فولوا إلى قومهم منذرين فقالوا (يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ).
(أَجِيبُوا داعِيَ اللهِ) الإجابة إلى فعل ما كلفوه على حد ما كلفوه ، فإنه تعالى ما خلق الجن والإنس إلا ليعبدوه.
(وَمَن لَّا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَولِيَاء