(وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا) يعني بهداهم الذي كان لهم (زادَهُمْ هُدىً) وهو الهدى الذي باعه الكفار منهم ، قال تعالى في الكفار : (أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى) فكان للمؤمنين نورا على نور ، وكان للكافرين ظلمات بعضها فوق بعض.
(فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً فَقَدْ جَاء أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ (١٨) فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ) (١٩)
كل علم يوصلك إلى حيث متعلقه ، والشغف من العالم بالمتعلق لا بالعلم ، ولهذا العلم بالذات الإلهية لا يصح أصلا ، لأنه لا يوصلك إليها لعزتها ، وإنما تصل إليها على قدرك في علمك بها ، فالتوحيد هو المطلوب من كل موجود ، ونهانا الشارع أن نتفكر في ذات الله ، إذ من ليس كمثله شيء ، كيف يوصل إلى معرفة ذاته؟ وما منعنا من الكلام في توحيد الله ، بل أمر بذلك فقال آمرا بالعلم بتوحيده (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ) وهي المعرفة الواجبة بتوحيد الله في ألوهيته ، وذلك بأن نعلم أن النفي ورد على أعيان المخلوقات لما وصفت بالألوهية ونسبت إليها وقيل فيها آلهة ، ولهذا تعجب من تعجب من المشركين لما دعاهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى الله الواحد ، فأخبر الله عنهم أنهم قالوا : (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ) فسموها آلهة ، وهي ليست بهذه الصفة ، فورد حكم النفي على هذه النسبة الثابتة عندهم إليها ، لا في نفس الأمر ، لا على نفي الألوهية ، فكأنه يقول للمشرك : هذا القول الذي قلت لا يصح ، أي ما هو الأمر كما زعمت ، ولابد من إله ، وقد انتفت الكثرة من الآلهة بحرف الإيجاب الذي هو قوله (إِلَّا) وأوجبوا هذه النسبة إلى المذكور بعد حرف الإيجاب وهو مسمى (اللهُ) فقالوا : (لا إِلهَ إِلَّا اللهُ) فلم تثبت نسبة الألوهة لله بإثبات المثبت ، لأنه سبحانه إله لنفسه ، فأثبت المثبت بقوله (إِلَّا اللهُ) هذا الأمر في نفس من لم يكن يعتقد انفراده سبحانه بهذا الوصف ، ومن جهة أخرى فقوله تعالى : (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ) يقول اعلم من إخباري الموافق لنظرك ليصح لك الإيمان علما ، كما صح لك العلم من غير إيمان الذي هو قبل التعريف ، فمن أجل هذا الأمر ـ على نظر بعض الناس ورأيه