طابع العناية ، فهم عند نفوسهم بما يجدونه من العلم الضروري أذلاء صاغرون لذلك الطابع ، فما دخل الكبرياء على الله قلب مخلوق أصلا ، وإن ظهرت منه صفات الكبرياء فثوب ظاهر لا بطانة له منه ، فالله يطبع على قلب كل متكبر جبار أن يدخله كبرياء إلهي أصلا ، إذ لا ينبغي ذلك الوصف إلا لمن لا يتقيد وهو الحق تعالى ، فلا يدخل القلب الكبرياء والجبروت وإن ظهر بهما ، فإن الإنسان يعرف في قلبه أنه لا فرق بالأصالة بينه وبين من تكبر عليهم وتجبر ، فلا يدخله كبر وإن ظهر به ، فإنه مجبول على الذلة والافتقار والحاجة بالأصالة ، لا يقدر أن ينكر هذا من نفسه ؛ وذلك يعني أن الطابع الإلهي يمنع أن تدخل هذه الصفات القلب ، فيظهر المدعي في ظاهره الكبرياء والجبروت على من استحق من قومه ـ إما في زعمه وتخيله ، وإما في نفس الأمر ـ وهو في قلبه معصوم من ذلك الكبرياء والجبروت ، لأنه يعلم عجزه وذلته وفقره لجميع الموجودات ، وأن قرصة البرغوث تؤلمه ، والمرحاض يطلبه لدفع ألم البول والخراء عنه ، ويفتقر إلى كسيرة خبز يدفع بها عن نفسه ألم الجوع ، فمن صفته هذه كل يوم وليلة ، كيف يصح أن يكون في قلبه كبرياء وجبروت؟! وهذا هو الطابع الإلهي على قلبه فلا يدخله شيء من ذلك ، فإن الاسم الغيور ختم على كل قلب أن تدخله ربوبية الحق نعتا له ، فما من أحد يجد في قلبه أنه رب إله ، بل يعلم من نفسه أنه فقير محتاج ذليل. وأما ظهور ذلك على ظاهره فمسلّم ، وجعل الله لهذه الصفات مواطن يظهر فيها بهذه الأوصاف ولا يكون مذموما ، وجعل لها مواطن يذمه فيها ، جاء في الخبر قوله تعالى [الكبرياء ردائي والعظمة إزاري من نازعني واحدا منهما قصمته]. فالكبرياء والعظمة من النعوت التي غار الله عليها أن تكون لغير الله فحجرها ، ولذلك قال : (يَطْبَعُ اللهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ) فلا يدخل مع هذا الطابع قلب كون من الأكوان تكبر على الله ولا جبروت لأجل هذا الطبع ، فعلم كل من أظهر من المخلوقين دعوى الألوهية كفرعون وغيره ، وتكبر وتجبر ، كل ذلك في ظاهر الكون ، وهذا الذي ظهرت منه صفة الكبرياء مطبوع على قلبه أن يدخل فيه الكبرياء على الله ، فإنه يعلم من نفسه افتقاره وحاجته وقيام الآلام به من ألم جوع وعطش وهواء ومرض ، التي لا تخلو هذه النشأة الحيوانية عنه في هذه الدار ، وتعذر بعض الأغراض أن تنال مرادها ، وتألمه لذلك ، ومن هذه صفته من المحال أن يتكبر في نفسه على ربه ، فهذا معنى الطابع الذي طبع الله على قلب المتكبر الذي يظهر لكم به من الدعوى