الكتاب العزيز الذي وحّد بها نفسه ، فلا أعرف من الشيء بنفسه ، فلتنظر بما وصف نفسه ، وتسأل الله تعالى أن يفهمك ذلك ، فستقف على علم إلهي لا يبلغ إليه عقل بفكره أبد الآباد ، ولتعلم أن المراد بتوحيد الله الذي أمرنا بالعلم به أنه توحيد الألوهية له سبحانه ، لا إله إلا هو ، فإنه تعالى لم يقل : فاعلم أنه لا تنقسم ذاته ، ولا أنه ليس بمركب ، ولا أنه مركب من شيء ، ولا أنه جسم ، ولا أنه ليس بجسم ؛ بل قال في صفته أنه (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) ولما لم يتعرض الحق سبحانه إلى تعريف عباده بما خاضوا فيه بعقولهم ، ولا أمرهم الله في كتابه بالنظر الفكري ، إلا ليستدلوا بذلك على أنه إله واحد أي أنها لا تدل إلا على الوحدانية في المرتبة ، فلا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد ، فزادوا في النظر وخرجوا عن المقصود الذي كلفوه ، فأثبتوا له صفات لم يثبتها لنفسه ، ونفت طائفة أخرى تلك الصفات ، ولم ينفها عن نفسه ولا نص عليها في كتابه ولا على ألسنة أنبيائه ، ثم اختلفوا في إطلاق الأسماء عليه ، فمنهم من أطلق عليه ما لم يطلقه على نفسه وإن كان اسم تنزيه ، ولكنه فضول من القائل به والخائض فيه ، ثم أخذوا يتكلمون في ذاته وقد نهاهم الشرع عن التفكر في ذاته جل وتعالى ، فانضاف إلى فضولهم عصيان الشرع ، بالخوض فيما نهوا عنه ، فمن قائل : هو جسم ، ومن قائل : ليس بجسم ، ومن قائل : هو جوهر ، ومن قائل : ليس بجوهر ، ومن قائل : هو في جهة ، ومن قائل : ليس في جهة ، وما أمر الله أحدا من خلقه بالخوض في ذلك جملة واحدة ، لا النافي ولا المثبت ، ولو سئلوا عن تحقيق معرفة ذات واحدة من العالم ما عرفوها ، فالعاقل يشغل نفسه بالنظر في الأوجب عليه لا يتعداه ، فإن المدة يسيرة ، والأنفاس نفائس ، وما مضى منها لا يعود ، فاعلم أن الله إله واحد ، لا إله إلا هو ، مسمى بالأسماء التي يفهم منها ومن معانيها أنها لا تنبغي إلا له ، ولمن تكون هذه المرتبة له ، ولا تتعرض يا ولي للخوض في الماهية والكمية والكيفية ، فإن ذلك يخرجك عن الخوض فيما كلفته ، والزم طريقة الإيمان والعمل بما فرض الله عليك ، واذكر ربك بالغدو والآصال ، بالذكر الذي شرعه لك من تهليل وتسبيح وتحميد ، واتق الله ، فإذا شاء الحق أن يعرفك بما شاءه من علمه ، فأحضر عقلك ولبك لقبول ما يعطيك ويهبك من العلم به ، فذلك هو النافع ، وهو النور الذي يحيى به قلبك ، وتمشي به في عالمك ، وتأمن فيه من ظلم الشبه والشكوك ، فإن ظلم الشبه والشكوك ، تطرأ في العلوم التي تنتجها الأفكار