اعلم أن الفكر حال لا يعطي العصمة ، ولهذا مقامه خطر ، لأن صاحبه لا يدري هل يصيب أم يخطىء؟ لأنه قابل للإصابة والخطأ ، فإن أراد صاحبه أن يفوز بالصواب فيه غالبا في العلم بالله ، فليبحث في كل آية نزلت في القرآن فيها ذكر التفكر والاعتبار ، ولا يتعدى ما جاء من ذلك في غير كتاب ولا سنة متواترة ، فإن الله ما ذكر في القرآن أمرا يتفكر فيه ونص على إيجاده عبرة أو قرن معه التفكر ، إلا والإصابة معه والحفظ وحصول المقصود منه الذي أراده الله ، لابد من ذلك ، لأن الحق ما نصبه وخصه في هذا الموضع دون غيره إلا وقد مكّن العبد من الوصول إلى علم ما قصد به هناك ، فإن تعديت آيات التفكر إلى آيات العقل أو آيات السمع أو آيات العلم أو آيات الإيمان واستعملت فيها الفكر لم تصب جملة واحدة ، فالتزم الآيات التي نصبها الحق لقوم يتفكرون ، ولا تتعدى بالأمور مراتبها ، ولا تعدل بالآيات إلى غير منازلها ، واجعل بالك إذا ذكر الله شيئا من ذلك بأي اسم ذكره ، فلا تتعدى التفكر فيه من حيث ذلك الاسم إن أردت الإصابة للمعنى المقصود لله ، مثل قوله : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ) فانظر فيه من حيث ما هو قرآن لا من حيث هو كلام الله ، ولا من حيث ما هو فرقان ، ولا من حيث ما هو ذكر ، فكل اسم له حكم ، وما عيّنه الحق في الذكر إلا حتى يفهمه عباده ، ويعلّمهم كيف ينزلون الأشياء منازلها.
(إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ (٢٥) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ (٢٦) فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ (٢٧) ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ) (٢٨)
هذا تأثير خلق في حق ، فإن الأمر دائر بين تأثير حق في خلق ، وخلق في حق ، فقد أسخطوا الله فأغضبوه ، فعاد وبال ذلك الغضب على من أغضبه ، فلو لا شهود ما أغضبه ما غضب ، وما أسخطه ما سخط.