(أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ (٢٩) وَلَوْ نَشَاء لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ) (٣٠)
ثم نزل الحق للتعليم والتعريف لنا ، وهو العليم بكل شيء ، بما كان ويكون ، فقال تعالى :
(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ) (٣١)
(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ) مع علمه بما يكون منهم ، وهو العليم سبحانه ، فآنسهم تعالى بقوله (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ) ففيه حكم إيمان يعتض به من يسمع ممن لا يعرف الله ، قولهم : إن الله لا يعلم الجزئيات ، وإن كانوا قصدوا بذلك التنزيه ، وهذه مسئلة لا يمكن تحققها بالعقل ، ما لم يكن الكشف بكيفية تعلق العلم الإلهي بالمعلومات ، وأنه ليس في حق الحق ماض ولا آت ، وأن آنه لم يزل ولا يزال ، لا يتصف آنه بأنه لم يكن ثم كان ، ولا بانقضاء بعد ما كان ، فبهذا يعلم أن الله يعلم الجزئيات علما صحيحا ، غاب عنه من قصد التنزيه بنفيه عن جناب الحق ، ومع أنه سبحانه العالم بما يكون ، ولكن الحال يمنع من إقامة الحجة له سبحانه علينا ، فأنبأ عن حقيقة لا تردّ ، تعليما لنا بما هو الأمر عليه ، وأن الحكم للأحوال ، فلم يبق بالابتلاء لأحد حجة على الله ، فحسم بذلك الابتلاء احتمال قولهم : لو حكم بعلمه فيهم ، أن يقولوا : لو بلوتنا وجدتنا واقفين عند حدودك ؛ وهذا يسمى علم الخبرة ، وهو الاسم الخبير في قوله تعالى : (عَلِيماً خَبِيراً) فقال تعالى : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ) أي إذا ظهر منكم عند الابتلاء بالتكليف ما يكون منكم ، من مخالفة أو طاعة ، يتعلق العلم مني عند ذلك به ، كان ما كان ، فإن العلم لا حكم له في التقليب على الحقيقة ، وإنما التقليب لموجد عين الفعل ، ويتعلق العلم بذلك الانقلاب والمنقلب إليه ، ولو لا الاشتراك في الصورة في قول رسول الله صلىاللهعليهوسلم : [خلق الله آدم على صورته] ما حكم الحق على نفسه بما حكم لخلقه من حدوث تعلق العلم ، وهذا غاية اللطف في الحكم والتنزل الإلهي ، فنزل مع خلقه في العلم المستفاد ، إد كان علمهم مستفادا ، كما شرّك نفسه تعالى مع خلقه في الأحكام الخمسة ، فمع علمه بما يكون من خلقه قال : (حَتَّى نَعْلَمَ) وأعلم